لَتُفْرِجُ عَنْ بَعْضِ احْتِيَاطِهَا مِنَ الذَّهَبِ لِتَشْتَرِيَ قَمْحًا. وَلَا زَالَتْ تَشْتَرِيهِ مِنَ الْمُعَسْكَرِ الرَّأْسِمَالِيِّ.
وَهَكَذَا الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اقْتِصَادِيَّاتِهَا بِالْمَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِيِّ الْمُتَفَرِّعِ مِنَ الْمَذْهَبِ الشُّيُوعِيِّ ; فَإِنَّهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَفِيضُ بِإِنْتَاجِهَا الزِّرَاعِيِّ عَلَى غَيْرِهَا، أَصْبَحَتْ تَسْتَوْرِدُ لَوَازِمَهَا الْغِذَائِيَّةَ مِنْ خَارِجِهَا، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ كَمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا قِصَّةَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، إِلَى قَوْلِهِ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، إِلَى قَوْلِهِ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [٦٨ ١٧ - ٢٩].
وَلِذَا كَانَتِ الزَّكَاةُ طُهْرَةً لِلْمَالِ وَنَمَاءً لَهُ.
وَقَوْلُهُ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [٧٢ ١٧]، أَيْ: نَخْتَبِرَهُمْ فِيمَا هُمْ فَاعِلُونَ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ وَصَرْفِهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ، أَمِ الطُّغْيَانِ بِهَا وَمَنْعِ حَقِّهَا؟ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [٩٦ ٦ - ٧]، إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [١٨ ٧]، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [٦٤ ١٥ - ١٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا
«الْمَسَاجِدُ» : جَمْعُ مَسْجِدٍ. وَالْمَسْجِدُ لُغَةً اسْمُ مَكَانٍ عَلَى وَزْنٍ مَفْعِلٍ، كَمَجْلِسٍ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ مَكَانُ الْجُلُوسِ، وَهُوَ لُغَةً يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ صَالِحٍ لِلسُّجُودِ.
وَقَدْ ثَبَتَ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا صَالِحَةٌ لِذَلِكَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا أَمَاكِنَ خَاصَّةً نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا ; لِأَوْصَافٍ طَارِئَةٍ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ، وَفَوْقَ الْحَمَّامِ، وَمَوَاضِعُ الْخَسْفِ، وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ، وَالْمَكَانُ الْمَغْصُوبُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ وَعَدَمُهَا، وَالْبِيَعُ.
وَقَدْ عَدَّ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - تِسْعَةَ عَشَرِ مَوْضِعًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [١٥ ٨٠] فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ أَرْضِ الْحِجْرِ، وَمُوَاطِنِ الْخَسْفِ، وَسَاقَ كُلَّ مَوْضِعٍ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ بَحْثٌ مُطَوَّلٌ مُسْتَوْفًى ; وَالْمَسْجِدُ عُرْفًا