يَوْمِ بِنَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ فِيهَا أَوَّلِيَّةً زَمَانِيَّةً خَاصَّةً، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ وَصَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ بِقُبَاءٍ، وَتَظَلُّ هَذِهِ الْمُقَارَنَةُ فِي الْآيَةِ مَوْجُودَةً إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَقَدِ اخْتُصَّتْ تِلْكَ الْمَسَاجِدُ الْأَرْبَعَةُ بِأُمُورٍ تَرْبِطُ بَيْنَهَا بِرَوَابِطَ عَدِيدَةٍ، أَهَمُّهَا: تَحْدِيدُ مَكَانِهَا حَيْثُ كَانَ بِوَحْيٍ أَوْ شِبْهِ الْوَحْيِ، فَفِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [٢٢ ٢٦].
وَفِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ عَنْهُ: أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ دَاوُدَ أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا، قَالَ: وَأَيْنَ تُرِيدُنِي أَبْنِيهِ لَكَ يَا رَبِّ؟ قَالَ: حَيْثُ تَرَى الْفَارِسَ الْمُعَلِّمَ شَاهِرًا سَيْفَهُ. فَرَآهُ فِي مَكَانِهِ الْآنَ، وَكَانَ حَوْشًا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ فِي الْبَيْهَقِيِّ.
وَفِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ. لَمَّا نَزَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبَاءٍ، قَالَ: «مَنْ يَرْكَبُ النَّاقَةَ» إِلَى أَنْ رَكِبَهَا عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ: «أَرْخِ زِمَامَهَا» فَاسْتَنَّتْ، فَقَالَ: «خُطُّوا الْمَسْجِدَ حَيْثُ اسْتَنَّتْ».
وَفِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ: جَاءَ فِي السِّيَرِ كُلِّهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كُلَّمَا مَرَّ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُ: هَلُمَّ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، فَيَقُولُ: «خَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ»، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى أَمَامِ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَانَ أَمَامَهُ مِرْبَدٌ لِأَيْتَامٍ وَمَقْبَرَةٌ لِيَهُودَ، فَاشْتَرَى الْمَكَانَ وَنَبَشَ الْقُبُورَ وَبَنَى الْمَسْجِدَ.
وَكَذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ فَكُلُّهَا بِنَاءُ رُسُلِ اللَّهِ، فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَيِ الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ وَمَا قَبْلَهُ فِيهِ رِوَايَاتٌ عَدِيدَةٌ، وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ [٢ ١٢٧].
وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، أَيْ: تَجْدِيدُ بِنَائِهِ.
وَكَذَلِكَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَقَدْ شَارَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنَائِهِ، وَجَاءَ فِي قِصَّةِ بِنَائِهِ أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَامِلًا حَجَرًا، فَقَالَ: دَعْنِي أَحْمِلْهُ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: «انْطَلِقْ وَخُذْ غَيْرَهَا، فَلَسْتَ بِأَحْوَجَ مِنَ الثَّوَابِ مِنِّي».
وَكَذَلِكَ مَسْجِدُهُ الشَّرِيفُ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، حِينَ بَنَاهُ أَوَّلًا مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ وَجَرِيدِهِ


الصفحة التالية
Icon