مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ، وَسَبَبِ دُخُولِهِمُ النَّارَ، وَكَانَ الْجَوَابُ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُطْعِمُوا الْمِسْكِينَ، وَكَانُوا يَخُوضُونَ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الْكُفْرِ بِتَكْذِيبِهِمْ بِيَوْمِ الدِّينِ وَبَيْنَ الْفُرُوعِ، وَهِيَ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ إِلَى آخِرِهِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُطَالَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ مَعَ أُصُولِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مُنَاقَشَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [٤١ ٧] فِي سُورَةِ «فُصِّلَتْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ
فِيهِ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، كَمَا أَنَّ فِيهَا إِثْبَاتَ الشَّفَاعَةِ لِلشَّافِعِينَ، وَمَفْهُومُ كَوْنِهَا لَا تَنْفَعُ الْكُفَّارَ أَنَّهَا تَنْفَعُ غَيْرَهُمْ.
وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَاهُمُ اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّتْ نُصُوصٌ عَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ، فَمِنْ عَدَمِ الشَّفَاعَةِ لِلْكُفَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [٤٠ ١٨].
وَقَوْلُهُ: وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ [٢٦ ٩٩ - ١٠٠] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [٢١ ٢٨].
وَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ لَا يَشْفَعُ إِلَّا مَنْ أُذِنَ لَهُ، وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا فِيمَنْ أُذِنُوا فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [٢ ٢٥٥]، وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ [٢٠ ١٠٩].
وَمَبْحَثُ الشَّفَاعَةِ وَاسِعٌ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ.
وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِيهَا: أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ لِلْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ ثَبَتَ


الصفحة التالية
Icon