وَقَدْ تَنَاوَلَهَا الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي كِتَابِهِ دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ فِي مَوْضِعَيْنِ، الْأَوَّلُ: فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَالثَّانِي: فِي سُورَةِ «الْبَلَدِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [٩٠ ١]، فَبَيَّنَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا - أَيْ «لَا» -: نَافِيَةٌ لِكَلَامٍ قَبْلَهَا ; فَلَا تَتَعَارَضُ مَعَ الْإِقْسَامِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِعْلًا الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [٨٥ ٢].
وَالثَّانِي: أَنَّهَا صِلَةٌ، وَقَالَ: سَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ، وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، سَاقَ فِيهِ بَحْثًا طَوِيلًا مُهِمًّا جِدًّا نَسُوقُ خُلَاصَتَهُ. وَسَيُطْبَعُ الْكِتَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مَعَ هَذِهِ التَّتِمَّةِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ.
خُلَاصَةُ مَا سَاقَهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ -:
قَالَ: الْجَوَابُ عَلَيْهَا مِنْ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ - وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ -: أَنَّ «لَا» هُنَا صِلَةٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهَا رُبَّمَا لَفَظَتْ بِلَفْظَةِ «لَا» مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، بَلْ لِمُجَرَّدِ تَقْوِيَةِ الْكَلَامِ وَتَوْكِيدِهِ كَقَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِي [٢٠ ٩٢ - ٩٣]. يَعْنِي أَنْ تَتَّبِعَنِي.
وَقَوْلِهِ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ [٥٧ ٢٩].
وَقَوْلِهِ: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [٤ ٦٥].
وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةُ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِ الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ
يَعْنِي وَأَبِيكِ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِزِيَادَةِ لَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْجَحْدِ، قَوْلَ الشَّاعِرِ:
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ دِينَهُمُ وَالْأَطْيَبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
يَعْنِي وَعُمَرُ، وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ لِزِيَادَتِهَا قَوْلَ الْعَجَّاجِ:
فِي بِئْرٍ لَا حَوْرَ سَرَى وَمَا شَعَرَ بِإِفْكِهِ حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ شَجَرَ
وَالْحَوْرُ: الْهَلَكَةُ: يَعْنِي فِي بِئْرِ هَلَكَةٍ، وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ:
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِي صَبَابَةٌ وَكَادَ صَمِيمُ الْقَلْبِ لَا يَتَقَطَّعُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «لَا» نَفْيٌ لِكَلَامِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.


الصفحة التالية
Icon