وَظَاهِرًا، وَنَشْرِ مَا بُعِثَ بِهِ، وَالْجِهَادِ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَلْبِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَإِنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَاهُمْ حُرَصَاءَ عَلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْبِدَعِ، مَعَ مَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ الَّذِي يُرْجَى لَهُمْ بِهِ الْمَثُوبَةُ تَجِدُونَهُمْ فَاتِرِينَ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ عَمَّا أُمِرُوا بِالنَّشَاطِ فِيهِ. وَإِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُحَلِّي الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ وَلَا يَتَّبِعُهُ. وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يُزَخْرِفُ الْمَسْجِدَ وَلَا يُصَلِّي فِيهِ، أَوْ يُصَلِّي فِيهِ قَلِيلًا، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَتَّخِذُ الْمَسَابِيحَ وَالسَّجَاجِيدَ الْمُزَخْرَفَةِ، وَأَمْثَالَ هَذِهِ الزَّخَارِفِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ وَيَصْحَبُهَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ، وَالِاشْتِغَالِ عَنِ الْمَشْرُوعِ مَا يُفْسِدُ حَالَ صَاحِبِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَكُونُ فِيهِ خَيْرٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَشْرُوعِ.
وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ بِدْعَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ رَسَمَ طَرِيقَ الْعَمَلِ السَّلِيمِ لِلْفَرْدِ فِي نَفْسِهِ وَالدَّاعِيَةِ مَعَ غَيْرِهِ، فَقَالَ: فَعَلَيْكَ هُنَا بِأَدَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حِرْصُكَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. الثَّانِي: أَنْ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى السُّنَّةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ; فَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا وَلَا يَتْرُكُهُ إِلَّا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَلَا تَدْعُو إِلَى تَرْكِ مُنْكَرٍ بِفِعْلِ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، أَوْ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ تَرْكُهُ أَضْمَرُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ.
وَلَكِنْ إِذَا كَانَ فِي الْبِدْعَةِ نَوْعٌ مِنَ الْخَيْرِ، فَعَوِّضْ عَنْهُ مِنَ الْخَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، إِذِ النُّفُوسُ لَا تَتْرُكُ شَيْئًا إِلَّا بِشَيْءٍ.
وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ خَيْرًا إِلَّا إِلَى مِثْلِهِ أَوْ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْفَاعِلِينَ لِهَذِهِ الْبِدَعِ مَعِيبُونَ، قَدْ أَتَوْا مَكْرُوهًا فَالتَّارِكُونَ أَيْضًا لِلسُّنَنِ مَذْمُومُونَ.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِبِدَعِ الْعِبَادَاتِ تَجِدُهُمْ مُقَصِّرِينَ فِي فِعْلِ السُّنَنِ مِنْ ذَلِكَ أَوِ الْأَمْرِ بِهِ...
وَلَعَلَّ حَالَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ يَكُونُ أَسْوَأَ مِنْ حَالِ مَنْ يَأْتِي بِتِلْكَ الْعَادَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْكَرَاهَةِ، بَلِ الدِّينُ هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَتَعْظِيمُ الْمَوْلِدِ وَاتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ لِحُسْنِ قَصْدِهِ وَتَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا قَدَّمْتُهُ لَكَ أَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ مَا يُسْتَقْبَحُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الْمُسَدِّدِ.