بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.
التَّطْفِيفُ: التَّنْقِيصُ مِنَ الطَّفِيفِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ.
وَقَدْ فَسَّرَهُ مَا بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [٨٣ ٢ - ٣].
قَالُوا: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ مِكْيَالَانِ: كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ، إِذَا اكْتَالَ لِنَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ، اكْتَالَ بِالْمِكْيَلِ الْكَبِيرِ، وَإِذَا كَالَ مِنْ عِنْدِهِ لِغَيْرِهِ، اكْتَالَ بِالْمِكْيَلِ الصَّغِيرِ، فَفِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ تَطْفِيفٌ، أَيْ: تَنْقِيصٌ عَلَى النَّاسِ مِنْ حُقُوقِهِمْ.
وَالتَّقْدِيمُ فِي افْتِتَاحِيَّةِ هَذِهِ السُّورَةِ بِالْوَيْلِ لِلْمُطَفِّفِينَ، يُشْعِرُ بِشِدَّةِ خَطَرِ هَذَا الْعَمَلِ، وَهُوَ فِعْلًا خَطِيرٌ ; لِأَنَّهُ مِقْيَاسُ اقْتِصَادِ الْعَالَمِ وَمِيزَانُ التَّعَامُلِ، فَإِذَا اخْتَلَّ أَحْدَثَ خَلَلًا فِي اقْتِصَادِهِ، وَبِالتَّالِي اخْتِلَالٌ فِي التَّعَامُلِ، وَهُوَ فَسَادٌ كَبِيرٌ.
وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وُجُودُ الرِّبَا إِذَا بِيعَ جِنْسٌ بِجِنْسِهِ، وَحَصَلَ تَفَاوُتٌ فِي الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ.
وَفِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [٢ ٢٧٩].
وَلِذَا فَقَدَ وَرَدَ ذِكْرُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَالْحَثُّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِهِمَا فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ، بِعِدَّةِ أَسَالِيبَ مِنْهَا الْخَاصُّ وَمِنْهَا الْعَامُّ.
فَقَدْ وَرَدَ فِي «الْأَنْعَامِ» وَ «الْأَعْرَافِ» وَ «هُودٍ» وَ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» وَ «الرَّحْمَنِ» وَ «الْحَدِيدِ»، أَيْ: فِي سِتِّ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
أَوَّلًا فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» فِي سِيَاقِ مَا يُعْرَفُ بِالْوَصَايَا الْعَشْرِ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا