وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [١١ ١٠٨]، وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُونٍ بِهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَمْتَنَ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ مَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ إِلَّا بِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ وَمَنِّهِ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى.
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِقَوْلِ ابْنِ جَرِيرٍ «غَيْرُ مَحْسُوبٍ» عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [٣ ٣٧]، وَخُصُوصُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [٤٠ ٤٠].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا [٧٨ ٣٦]، فَهُوَ بِمَعْنَى كَافِيًا مِنْ قَوْلِكَ: حَسْبِي: بِمَعْنَى كَافِينِي.
وَالَّذِي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ مَقْصُودٌ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ قَوْلِ الْآخَرِينَ ; لِأَنَّ الْمَنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ مَا فِيهِ أَذًى وَتَنْقِيصٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى [٢ ٢٦٢]، أَمَّا الْمَنُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ، فَهُوَ عَيْنُ الْإِكْرَامِ وَالزُّلْفَى إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.