فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [٤٣ ٨٣]، وَسَيَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْثِ، حِينَمَا يَقُولُونَ: قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [٣٦ ٥٢].
فَالْيَوْمُ الْمَوْعُودُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْمَوْعُودُ بِهِ لِمُجَازَاتِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَمَلِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
لَمْ يُصَرِّحْ هُنَا مَنِ الشَّاهِدُ وَمَا الْمَشْهُودُ، وَقَدْ ذُكِرَ الشَّاهِدُ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْحَاضِرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [٢ ١٨٥]، وَقَوْلِهِ: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [٦ ٧٣].
وَذُكِرَ الْمَشْهُودُ بِمَعْنَى الْمُشَاهَدِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [١١ ١٠٣].
فَالشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ قَدْ يَكُونَانِ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ، وَذُكِرَ الشَّاهِدُ مِنَ الشَّهَادَةِ، وَالْمَشْهُودُ مِنَ الْمَشْهُودِ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [٤ ٤١].
فَشَهِيدُ الْأُولَى: أَيُ شَهِيدٌ عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي بُعِثَتْ فِيهَا، وَشَهِيدُ الثَّانِيَةِ: أَيْ شَاهِدٌ عَلَى الرُّسُلِ فِي أُمَمِهِمْ.
وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ مَا مُلَخَّصُهُ: الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ أَوِ النَّحْرِ، وَعَزَاهُ لِعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَعَزَاهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَالشَّاهِدُ: الْإِنْسَانُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَعَزَاهُ لِمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ. وَالشَّاهِدُ: هُوَ اللَّهُ، وَالْمَشْهُودُ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ صَالِحٌ لِكُلِّ مَا يُقَالُ لَهُ مُشَاهَدٌ، وَيُقَالُ لَهُ مَشْهُودٌ، فَلَمْ يَفْصِلْ مَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ، أَوِ الشَّهَادَةِ، وَمِثْلُهُ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ.


الصفحة التالية
Icon