وَمِنْهَا: شَهَادَةُ الْأَرْضِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَا عَمِلَ عَلَيْهَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [٩٩ ٤].
وَمِنْهَا: شَهَادَةُ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَ أَنْفَقَهُ. وَمِنْهَا: شَهَادَةُ الصِّيَامِ وَالْقُرْآنِ وَشَفَاعَتُهُمَا لِصَاحِبِهِمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ
فِي هَذَا الْعَرْضِ إِشْعَارٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ وَكَمَالِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ إِذَا كَانَ رَبُّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَمُوَكِّلٌ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ وَلَا بِمَا سَجَّلَتْهُ مَلَائِكَتُهُ، وَيَسْتَنْطِقُ أَعْضَاءَهُمْ، وَيَسْتَشْهِدُ الرُّسُلَ عَلَى الْأُمَمِ وَالرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرُّسُلِ، أَيْ بِأَنَّهُمْ بَلَّغُوا أُمَمَهُمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، فَلِأَنْ لَا يَقْضِيَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: «إِنَّكُمْ تَحْتَكِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَقْضِي لَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنِ اقْتَطَعْتُ لَهُ شَيْئًا مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ». الْحَدِيثَ. أَيْ: كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَلَا سِيَّمَا فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِعَيْنِهَا، إِذْ قَالُوا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ مَعَالِمُهَا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَمَنْ بِالْوَحْيِ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ فِي الْقَضَاءِ؟
وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَيِّنَةَ فَعِيلَةٌ مِنَ الْبَيَانِ، فَتَشْمَلُ كُلَّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ مِنْ شَهَادَةٍ وَقَرِينَةٍ، كَمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مِنَ الْقَرَائِنِ مَعَ إِخْوَتِهِ وَمَعَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ. إِلَخْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَجَوَابُ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، قِيلَ: مَحْذُوفٌ، فَقِيلَ: لَتُبْعَثُنَّ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: مَذْكُورٌ، فَقِيلَ: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» [٨٥ ١٠] وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: «قُتِلَ»، وَهَذَا نَخْتَارُهُ، وَحُذِفَتِ اللَّامُ - أَيْ لَقُتِلَ -


الصفحة التالية
Icon