النَّاسِ إِيمَانًا هُمْ أَعْوَانُ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى، وَهَكَذَا هُنَا كَانَ أَسْرَعُ النَّاسِ إِيمَانًا الَّذِي جَمَعَهُمُ الْمَلِكُ لِيَشْهَدُوا قَتْلَهُ لِلْغُلَامِ.
فَظَهَرَ تَنَاسُبُ ذِكْرِ فِرْعَوْنَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَمِ الطَّاغِيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكُلِّ عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا مُنْتَهَى الْإِعْجَازِ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ وَأُسْلُوبِهِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ ثَمُودُ، لِمَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ مَظَاهِرِ الْقُوَّةِ وَالطُّغْيَانِ، وَقَدْ جَمَعَهَا اللَّهُ أَيْضًا مَعًا فِي سُورَةِ «الْفَجْرِ» فِي قَوْلِهِ: وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ [٨٩ ٩ - ١٠]، وَهَكَذَا جَمَعَهَا هُنَا «فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ
أَيْ: مُسْتَمِرٍّ فِي كُلِّ الْأُمَمِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «الِانْشِقَاقِ» قَبْلَهَا: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ [٨٤ ٢٢].
فَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ نَصْرٍ تَاجُ الْقُرَّاءِ، فِي كِتَابِهِ «أَسْرَارُ التَّكْرَارِ فِي الْقُرْآنِ» : إِنَّ الْمُغَايِرَةَ لِمُرَاعَاةِ رُءُوسِ الْآيِ وَالْفَوَاصِلِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ السِّيَاقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُرَاعَاةُ السِّيَاقِ لَا فَوَاصِلُ الْآيِ ; لِأَنَّ فِي سُورَةِ «الِانْشِقَاقِ» الْحَدِيثَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ [٨٤ ١٩ - ٢٢].
وَفِي سُورَةِ «الْبُرُوجِ» هُنَا ذَكَرَ الْأُمَمَ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَثَمُودَ، وَأَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، وَالْمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ [٨٥ ١٩] فَنَاسِبَ هَذَا هُنَا، وَنَاسَبَ ذَاكَ هُنَاكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.