وَقَوْلُهُ: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [٨٢ ١٩]..
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ قِيلَ: رَجْعُ السَّمَاءِ: إِعَادَةُ ضَوْءِ النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
وَقِيلَ: " الرَّجْعُ ": الْمَلَائِكَةُ تَرْجِعُ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ.
وَقِيلَ: " الرَّجْعُ ": الْمَطَرُ وَأَرْزَاقُ الْعِبَادِ. " وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ " قِيلَ: تَنْشَقُّ عَنِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْبَعْثِ. وَقِيلَ: تَنْشَقُّ بِالنَّبَاتِ.
وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ: أَنَّ الرَّجْعَ وَالصَّدْعَ مُتَقَابِلَانِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: بِالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ. كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا " [٨٠ ٢٤ - ٢٨]. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَقٌّ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ آخَرُونَ: حُكْمٌ عَدْلٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ أَيِ الْقُرْآنُ، يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَقِيلَ: هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَعِيدِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [٨٦ ٨ - ٩].
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ بِمَا قَالَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ أَوَّلًا، ثُمَّ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الثَّانِي، أَيْ: أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ رَجْعِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، قَوْلٌ فَصْلٌ، وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَعَزَاهُ النَّيْسَابُورِيُّ إِلَى الْقَفَّالِ.
وَسِيَاقُ السُّورَةِ يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي ; لِأَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا فِي مَعْرِضِ إِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ، وَإِعَادَةِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، حَيْثُ تَضَمَّنَتْ ثَلَاثَةَ أَدِلَّةٍ مِنْ أَدِلَّةِ الْبَعْثِ:
الْأَوَّلُ: السَّمَاءُ ذَاتُ الطَّارِقِ ; لِعِظَمِ خِلْقَتِهَا، وَعِظَمِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْقُدْرَةِ.


الصفحة التالية
Icon