وَمِنِ اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى أَنَّهَا النَّارُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [١٤ ٥٠].
وَقِيلَ: الْغَاشِيَةُ أَهْلُ النَّارِ يَغْشَوْنَهَا، أَيْ: يَدْخُلُونَهَا، فَالْغَاشِيَةُ كَالدَّافَّةِ فِي حَدِيثِ الْأَضَاحِيِّ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ لِيَعُمَّ، فَيَجِبُ أَنْ تُطْلَقَ ; لِيَعُمَّ أَيْضًا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: أَنَّهَا فِي عُمُومِ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ فِي خُصُوصِ النَّارِ ; فَالنَّارُ مِنْ أَهْوَالِ وَدَوَاهِي الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، وَمِنْهَا:
أَنَّهُ جَاءَ بَعْدَهَا قَوْلُهُ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ [٨٨ ٢]، وَيَوْمَ أَنْسَبُ لِلْقِيَامَةِ مِنْهُ لِلنَّارِ.
وَمِنْهَا: التَّصْرِيحُ بَعْدَ ذَلِكَ ; بِأَنَّ مَنْ كَانَتْ تِلْكَ صِفَاتُهُمْ: «تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً»، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَاشِيَةَ شَيْءٌ آخَرَ سِوَى النَّارِ الْحَامِيَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ التَّعْمِيمَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُنْجِي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى قَسِيمَ هَذَا الصِّنْفِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرَادَ إِلْغَاؤُهُ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ حَالَةِ عُمُومِ الْمَوْقِفِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً الْآيَاتِ. اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ «يَوْمَئِذٍ» يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَالتَّنْوِينُ فِيهِ تَنْوِينُ عِوَضٍ. وَهُوَ تَنْوِينُ عِوَضٍ عَنْ جُمْلَةٍ، وَلَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ تَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ عِوَضًا عَنْهَا، وَلَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ. وَأَلْ مَوْصُولَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، فَتَنْحَلُّ لِلَّتِي غَشِيَتْ، أَيْ: لِلدَّاهِيَةِ الَّتِي غَشِيَتْ، فَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي انْحَلَّ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ إِلَيْهَا، وَإِلَى الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ الَّتِي، وَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ، مِنْ أَنَّ الْغَاشِيَةَ هِيَ الْقِيَامَةُ