قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [١٠ ١٠١]. الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ «يُونُسَ».
تَنْبِيهٌ.
التَّوْجِيهُ هُنَا بِالنَّظَرِ إِلَى الْكَيْفِيَّةِ فِي خَلْقِ الْإِبِلِ، وَنَصْبِ الْجِبَالِ، وَرَفْعِ السَّمَاءِ، وَتَسْطِيحِ الْأَرْضِ، مَعَ أَنَّ الْكَيْفَ لِلْحَالَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُشْهِدْ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [١٨ ٥١]. فَكَيْفَ يُوَجِّهُ السُّؤَالَ إِلَيْهِمْ لِلنَّظَرِ إِلَى الْكَيْفِيَّةِ وَهِيَ شَيْءٌ لَمْ يَشْهَدُوهُ؟ ! !.
وَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: هُوَ أَنَّهُ بِالتَّأَمُّلِ فِي نَتَائِجَ خَلْقِ الْإِبِلِ، وَنَصْبِ الْجِبَالِ إِلَخْ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا الْكَيْفَ، بَلْ وَيَعْجِزُونَ عَنْ كُنْهِهِ وَتَحْقِيقِهِ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِمْ، كَمَنْ يَقِفُ أَمَامَ صَنْعَةٍ بَدِيعَةٍ يَجْهَلُ سِرَّ صَنْعَتِهَا، فَيَتَسَاءَلُ كَيْفَ تَمَّ صُنْعُهَا؟ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ: وَهُوَ الْإِحَالَةُ عَلَى الْأَثَرِ بَدَلًا مِنْ كَشْفِ الْكُنْهِ وَالْكَيْفِ، وَذَلِكَ فِي سُؤَالِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَبَّهُ: أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى. فَكَانَ الْجَوَابُ: أَنْ أَرَاهُ الطُّيُورَ تَطِيرُ، بَعْدَ أَنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ وَقَطَّعَهَا، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهَا جُزْءًا. فَلَمْ يُشَاهِدْ كَيْفِيَّةَ وَكُنْهَ، وَحَقِيقَةَ الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ دَبِيبُ الرُّوحِ فِيهَا وَعَوْدَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِ، وَلَكِنْ شَاهَدَ الْآثَارَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ تُحَرِّكُهَا وَطَيَرَانِهَا، وَعَوْدَتِهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَبْحِهَا. مَعَ أَنَّهُ كَانَ لِلْعُزَيْرِ مَوْقِفٌ مُمَاثِلٌ وَإِنْ كَانَ أَوْضَحَ فِي الْبَيَانِ ; حَيْثُ شَاهَدَ الْعِظَامَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَنْشُرُهَا، ثُمَّ يَكْسُوهَا لَحْمًا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، فَإِنَّ مَجِيءَ هَذَا الْأَمْرِ بِالْفَاءِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّظَرَ الدَّقِيقَ وَالْفِكْرَ الدَّارِسَ، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَعَلَى قُدْرَتِهِ، كَمَا نَطَقَ مُؤْمِنُ الْجَاهِلِيَّةِ: قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ: لَيْلٌ دَاجٍ، وَنَهَارٌ سَاجٍ، وَسَمَاءُ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَنُجُومٌ تُزْهِرُ، وَبِحَارٍ تَزْخَرُ، وَجِبَالٌ مُرْسَاةٌ، وَأَرْضٌ مُدْحَاةٌ، وَأَنْهَارٌ مُجْرَاةٌ. فَقَدْ ذَكَرَ السَّمَاءَ، وَالْجِبَالَ، وَالْأَرْضَ.
وَكَقَوْلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، مُؤْمِنُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَعْرُوفُ:



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا