وَكَمَا فِي حَدِيثِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى الْغَارِ، وَمِنْهُمُ الرَّجُلُ مَعَ ابْنَةِ عَمِّهِ لَمَّا قَالَتْ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقَامَ عَنْهَا وَتَرَكَ لَهَا الْمَالَ.
وَهَكَذَا فِي تَصَرُّفَاتِ الْعَبْدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [٢٢ ٣٢].
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ [٥٩ ١٨]، لِكُلِّ نَفْسٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [٢ ٢٨١] وَقَوْلِهِ: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [٣ ٢٥].
فَالنِّدَاءُ أَوَّلًا بِالتَّقْوَى لِخُصُوصِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَمْرُ بِالنَّظَرِ لِعُمُومِ كُلِّ نَفْسٍ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِالتَّقْوَى خُصُوصُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالنَّظَرُ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ فَالْخُصُوصُ لِلْإِشْفَاقِ، وَالْعُمُومُ لِلتَّحْذِيرِ.
وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [٣٣ ٤٣].
وَيَدُلُّ لِلثَّانِي قَوْلُهُ: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [٣]، وَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا قَدَّمَتْ [٥٩ ١٨] عَامَّةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا.
وَيَدُلُّ لِلثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [٩٩ ٧ - ٨]، وَالْحَدِيثُ " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ".
وَغَدًا تُطْلَقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْمُقَابِلِ لِلْمَاضِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالَاتِهَا فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [١٢ ١٢]، وَقَوْلِهِ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [١٨ ٢٣ - ٢٤].


الصفحة التالية
Icon