مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [١٦ ٩٧] ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ الْأَسَاسِيُّ فِي حَمْلِ الْعَبْدِ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ يَبْتَغِي بِهِ الثَّوَابَ، وَخَاصَّةً الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ بَذْلٌ بِدُونِ عِوَضٍ عَاجِلٍ.
وَقَدْ بَحَثَ الْعُلَمَاءُ مَوْضُوعَ عَمَلِ الْكَافِرِ الَّذِي عَمِلَهُ حَالَةَ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، هَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ أَمْ لَا؟
وَالرَّاجِحُ: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، كَمَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَنَّثُ بِأَعْمَالٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; فَهَلْ لَنَا مِنْهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنَ الْخَيْرِ "، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيُعْتِقُ الرِّقَابَ، وَيَحْمِلُ عَلَى إِبِلِهِ لِلَّهِ - فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: " لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ".
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَهَا، أَيْ: لَوْ أَسْلَمَ فَقَالَهَا كَانَ يَنْفَعُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ
تَتِمَّةٌ لِصِفَاتِهِمْ، وَالصَّبْرُ عَامٌّ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمَرْحَمَةُ زِيَادَةٌ فِي الرَّحْمَةِ، وَالْحَدِيثُ: " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ".
وَذِكْرُ الْمَرْحَمَةِ هُنَا يَتَنَاسَبُ مَعَ الْعَطْفِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon