وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً، وَقَوْلُهُ: إِذَا تَرَدَّى، أَيْ: فِي النَّارِ - عِيَاذًا بِاللَّهِ - أَوْ تَرَدَّى فِي أَعْمَالِهِ، فَمَآلُهُ إِلَى النَّارِ ; بِسَبَبِ بُخْلِهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْآيَةَ [٣ ١٨٠].
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ أَوْجُهٌ، مِنْهَا: إِنَّ طَرِيقَ الْهُدَى دَالٌّ وَمُوَصِّلٌ عَلَيْنَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ.
وَمِنْهَا: الْتِزَامُ اللَّهِ لِلْخَلْقِ عَلَيْهِ لَهُمُ الْهُدَى، وَهَذَا الْوَجْهُ مَحَلُّ إِشْكَالٍ ; إِذْ إِنَّ بَعْضَ الْخَلْقِ لَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ.
وَقَدْ بَحَثَ هَذَا الْأَمْرَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ: مِنْ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْهُدَى عَامٌّ وَخَاصٌّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى
أَيْ: بِكَمَالِ التَّصَرُّفِ وَالْأَمْرِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْفَاتِحَةِ» : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [١ ٢]، أَيْ: الْمُتَصَرِّفُ فِي الدُّنْيَا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [١ ٤]، أَيِ: الْمُتَصَرِّفُ فِي الْآخِرَةِ وَحْدَهُ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [٤٠ ١٦].
وَهَذَا كَدَلِيلٍ عَلَى تَيْسِيرِهِ لِعِبَادِهِ إِلَى مَا يَشَاءُ فِي الدُّنْيَا، وَمُجَازَاتِهِمْ بِمَا شَاءَ فِي الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى
أَيْ: تَتَلَظَّى، وَاللَّظَى: اللَّهَبُ الْخَالِصُ، وَفِي وَصْفِ النَّارِ هُنَا بِتَلَظَّى مَعَ أَنَّ لَهَا صِفَاتٍ عَدِيدَةً مِنْهَا: السَّعِيرُ، وَسَقَرُ، وَالْجَحِيمُ، وَالْهَاوِيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ هُنَا صِنْفًا خَاصًّا، وَهُوَ مَنْ «كَذَّبَ وَتَوَلَّى» [٩٢ ١٦]، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي وَصْفِهَا أَيْضًا بِلَظَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [٧٠ ١٥ - ١٦]، ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا بِقَوْلِهِ: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى [٧٠ ١٧].


الصفحة التالية
Icon