قَدْ قِيلَ أَيْضًا: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. نَازِلٌ فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا كَانَ يُعْتِقُ ضَعَفَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ يُعَذَّبُونَ عَلَى إِسْلَامِهِمْ فِي مَكَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ الْأَقْوِيَاءَ يُسَاعِدُونَكَ وَيُدَافِعُونَ عَنْكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى [٩٢ ١٩ - ٢٠]، وَابْتِغَاءُ وَجْهِ رَبٍّ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، أَيْ: لِوَجْهِ اللَّهِ يَرْجُو الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ.
وَكَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَإِنَّ صُورَةَ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ. فَهَذِهِ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وَلَسَوْفَ يَرْضَى " فِي غَايَةٍ مِنَ التَّأْكِيدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى وَعْدِهِ إِيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْضَاهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْهَا ضَرُورَةٌ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ؟ " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ". اهـ.
وَإِنَّا لَنَرْجُو اللَّهَ كَذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ.
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَسَوْفَ يَرْضَى [٩٢ ٢١]، وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ إِجْمَاعَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْلَى مَنَازِلِ الْبُشْرَى ; لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِعَيْنِهِ، قِيلَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا فِي السُّورَةِ بَعْدَهَا، سُورَةِ " الضُّحَى ": وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [٩٣ ٤ - ٥]، فَهُوَ وَعْدٌ مُشْتَرَكٌ لِلصِّدِّيقِ وَلِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْنِدَ الْعَطَاءُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ، كَمَا ذَكَرَ فِيهِ الْعَطَاءَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَطَاءَاتٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.


الصفحة التالية
Icon