وَقَدْ عَقَدَ الْفُقَهَاءُ بَابَ سُجُودِ السَّهْوِ تَصْحِيحًا لِذَلِكَ.
لِذَلِكَ بَقِيَ مَنِ الْمُرَادُ بِـ «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ».
قِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ.
وَقِيلَ: فِي كُلِّ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا، أَوْ عَنْ وَقْتِهَا كُلِّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ عَنْ أَدَائِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي الْجَمَاعَةِ.
وَقِيلَ: فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَفِي السُّورَةِ تَفْسِيرٌ صَرِيحٌ لِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [١٠٧ ٦ - ٧].
وَالْمُرَائِي فِي صِلَاتِهِ قَدْ يَكُونُ مُنَافِقًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُنَافِقٍ.
فَالرِّيَاءُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةٍ، وَالنِّفَاقُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، أَيْ قَدْ يُرَائِي فِي عَمَلٍ مَا، وَيَكُونُ مُؤْمِنًا بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَبِكُلِّ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، وَلَا يُرَائِي فِي عَمَلٍ آخَرَ، بَلْ يَكُونُ مُخْلِصًا فِيهِ كُلَّ الْإِخْلَاصِ.
وَالْمُنَافِقُ دَائِمًا ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِبَاطِنِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَا فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ.
وَلَكِنْ جَاءَ النَّصُّ: بِأَنَّ الْمُرَاءَاةَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَعْمَالِ الْمُنَافِقِينَ.
وَجَاءَ النَّصُّ أَيْضًا. بِأَنَّ مَنْعَ الْمَاعُونِ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ إِلَّا الْمُصَلِّينَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ [٧٠ ١٩ - ٢٢].
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، بَيَانُ السَّهْوِ عَنْهَا وَإِضَاعَتِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [١٩ ٥٩ - ٦٠].
وَبَيَّنَ فِي آخِرِ الْمَبْحَثِ تَحْتَ عُنْوَانِ: مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ تَارِكِي الصَّلَاةِ جَحْدًا أَوْ كَسَلًا. وَزَادَهُ بَيَانًا، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [٧٠ ٣٤] فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [٧٤ ٤٢].


الصفحة التالية
Icon