خَيْطٌ، وَاحْتِيجَ إِلَيْهِ فِي خِيَاطَةِ جُرْحِ إِنْسَانٍ، أَوْ قُطْنَةٍ فَمَاتَ، فَهَلْ يُعَدُّ تَرْكُ إِعْطَاءِ الْخَيْطِ مُجَرَّدَ تَرْكٍ لَا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ، أَوْ يُعْتَبَرُ فِعْلًا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ عَنْهُ مَوْتُ إِنْسَانٍ. وَمِثْلُهُ مَنْعُ الدَّلْوِ لِيَرْوِيَ أَوْ يَسْقِيَ إِبِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ هُوَ؟
وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ التَّرْكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةَ الْفِعْلِ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ.
وَالتَّرْكُ فِعْلٌ فِي صَحِيحِ الْمَذْهَب
وَهُنَا مَا يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِيُّ الصَّحِيحُ، كَمَا قِيلَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ | لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ |
وَقَدِ امْتَدَحَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ بِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [٥٩ ٩]، فَالْعَارِيَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا وَتُرَدُّ لِصَاحِبِهَا.
وَقَدِ امْتَدَحَ الشَّاعِرُ الْقَوْمَ بِعَدَمِ مَنْعِهِمُ الْمَاعُونَ، بِقَوْلِهِ:
قَوْمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمَّا يَمْنَعُوا | مَاعُونَهُمْ وَيُضَيِّعُ التَّهْلِيلَا |
بَقِيَ مَبْحَثُ ضَمَانِهَا: تَخْتَلِفُ الْأَقْوَالُ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَةِ، فَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُهَا أَمَانَةً، وَعَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعَدٍّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
كَمَا قَالُوا فِي السَّيْفِ: يَسْتَعِيرُهُ فَيَنْكَسِرُ فِي الْقِتَالِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِضَمَانِهَا بِالْحَدِيثِ الْعَامِّ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ، حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُُُ