الْخَامِسَةُ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ الْعَلَقَةِ مِنْ نُطْفَةٍ أَوْ خَلْقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ.
السَّادِسَةُ: إِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ «وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» بَدَلًا مِنْ أَيِّ صِفَةٍ أُخْرَى، وَبَدَلًا مِنَ الَّذِي خَلَقَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.
الثَّامِنَةُ: التَّعْلِيمُ بِالْقَلَمِ.
التَّاسِعَةُ: تَعْلِيمُ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ الْخَمْسُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ، فَهِيَ بِحَقٍّ افْتِتَاحِيَّةُ الْوَحْيِ، فَكَانَتْ مَوْضِعَ عِنَايَةِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَفِيضٌ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ، فَلَا مُوجِبَ لِإِيرَادِهِ هُنَا. وَلَكِنْ نُورِدُ الْكَلَامَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَوْضُوعِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْرَأْ، فَالْقِرَاءَةُ لُغَةً الْإِظْهَارُ، وَالْإِبْرَازُ، كَمَا قِيلَ فِي وَصْفِ النَّاقَةِ: لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا، أَيْ لَمْ تُنْتِجْ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى لُغَةً، وَتَوْجِيهُ الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ إِلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ لَا تَعَارُضَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكُونُ مِنْ مَكْتُوبٍ وَتَكُونُ مِنْ مَتْلُوٍّ، وَهُنَا مِنْ مَتْلُوٍّ يَتْلُوهُ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا إِبْرَازٌ لِلْمُعْجِزَةِ أَكْثَرُ ; لِأَنَّ الْأُمِّيَّ بِالْأَمْسِ صَارَ مُعَلِّمًا الْيَوْمَ. وَقَدْ أَشَارَ السِّيَاقُ إِلَى نَوْعَيِ الْقِرَاءَةِ هَذَيْنِ، حَيْثُ جَمَعَ الْقِرَاءَةَ مَعَ التَّعْلِيمِ بِالْقَلَمِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اقْرَأْ بَدْءٌ لِلنُّبُوَّةِ وَإِشْعَارٌ بِالرِّسَالَةِ ; لِأَنَّهُ يَقْرَأُ كَلَامَ غَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بِاسْمِ رَبِّكَ، تُؤَكِّدُ لِهَذَا الْإِشْعَارِ، أَيْ: لَيْسَ مِنْ عِنْدِكَ وَلَا مِنْ عِنْدِ جِبْرِيلَ الَّذِي يُقْرِئُكَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الرَّدَّ عَلَى كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبْ وَلَا يَقْرَأُ مَكْتُوبًا، مِنْ أَنَّهُ صِيَانَةٌ لِلرِّسَالَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ الْآيَةَ [٢٩ ٤٨]. وَذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [٦٢ ٢].