أَمَّا تَعْلِيمُ الْعِلْمِ فَلَيْسَ مَحَلَّ خِلَافٍ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةُ الْمَعَالِمِ، إِذَا نَظَرْتَ كَالْآتِي:
أَوَّلًا: لَا شَكَّ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ، وَالْعِلْمُ قِسْمَانِ: عِلْمُ سَمَاعٍ وَتَلَقٍّ، وَهَذِهِ سِيرَةُ زَوْجَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَائِشَةُ كَانَتِ الْقُدْوَةَ الْحَسَنَةَ فِي ذَلِكَ فِي فِقْهِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمِ اسْتَدْرَكَتْ عَلَى الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَشْهُورٌ وَمَعْلُومٌ.
وَالثَّانِي: عِلْمُ تَحْصِيلٍ بِالْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَهَذَا يَدُورُ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ عَدَمِهَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّ تَعْلِيمَهُنَّ مَفْسَدَةٌ مَنَعَهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُ امْرَأَةً الْكِتَابَةَ فَقَالَ: لَا تَزِدِ الشَّرَّ شَرًّا.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تَتَعَلَّمُ الْكِتَابَةَ، فَقَالَ: أَفْعَى تُسْقَى سُمًّا، وَأَنْشَدُوا الْآتِيَ:
مَا لِلنِّسَاءِ وَلِلْكِتَا | بِةِ وَالْعِمَالَةِ وَالْخَطَابَهْ |
هَذَا لَنَا وَلَهُنَّ مِنَّا | أَنْ يَبِتْنَ عَلَى جَنَابَهْ |
يَا قَوْمُ لَمْ تُخْلَقْ بَنَاتُ الْوَرَى | لِلدَّرْسِ وَالطَّرْسِ وَقَالَ وَقِيلَ |
لَنَا عُلُومٌ وَلَهَا غَيْرُهَا | فَعَلِّمُوهَا كَيْفَ نَشْرُ الْغَسِيل |
وَالثَّوْبُ وَالْإِبْرَةُ فِي كَفِّهَا | طَرْسٌ عَلَيْهِ كُلُّ خَطٍّ جَمِيل |
كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا | وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيُول |
قَالَ صَاحِبُ التَّرَاتِيبِ الْإِدَارِيَّةِ: أَوْرَدَ الْقَلْقَشَنْدِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ النِّسَاءِ كُنَّ يَكْتُبْنَ، وَلَمْ يَرَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ أَنْكَرَ عَلَيْهِنَّ. اهـ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ رِوَايَةُ كَرِيمَةَ لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ، فَقَدْ رَأَيْتُ بِنَفْسِي وَأَنَا مُدَرِّسٌ بِالْأَحْسَاءِ نُسْخَةً لِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عِنْدَ آلِ الْمُبَارَكُُِ