وَقَدْ عَظُمَ الْمُصَابُ وَعَزَّ فِيهِ الْعَزَاءُ، وَأَقُولُ مَا قَدْ قُلْتُهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ، عِنْدَمَا سَأَلَنِي سَائِلٌ مِنْ هَذَا نُعَزِّيهِ فِي الشَّيْخِ، فَقُلْتُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
أَقُولُ لِلسَّائِلِ لَمَّا سَأَلَ | مَنْ ذَا نُعَزِّي فِيمَا نَزَلَ |
كُلُّ مَنْ لَاقَيْتَ فَعَزِّهِ | وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فِي الْأُوَلِ |
عَزِّ الْجَمِيعَ بِمَوْتِهِ | وَأَعْلِمْهُ أَنَّ الْخَطْبَ جَلَلٌ |
مَوْتُ الْعَالِمِ رُزْءُ الْعَالَمِ | فِي مَوْتِهِ يَأْتِي الْخَلَلُ |
لَوْ نَزَلَ الرُّزْءُ بِقِمَّةٍ | فَوْقَ الْجِبَالِ لَهَدَّ الْجَبَلَ |
خَيْرُ التَّعَازِي فِي أَنَّنَا | نُرَدُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ |
نَعَمْ أَقِفُ مُعَزِّيًا مُتَعَزِّيًا مُتَرْجِمًا مُتَرَحِّمًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ: " مَا لَكُمْ تَأْخُذُونَ الْعِلْمَ عَنَّا وَتَسْتَفِيدُونَ مِنَّا، ثُمَّ تَذْكُرُونَنَا فَلَا تَتَرَحَّمُونَ عَلَيْنَا "، إِنَّهُ رَبْطٌ أَصِيلٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ، وَتَنْبِيهٌ أَكِيدٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِفَضْلِ الْعَالِمِ شُكْرٌ وَتَقْدِيرٌ لِنَفْسِ الْعِلْمِ.
رَحِمَ اللَّهُ شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَرَحِمَ اللَّهُ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَقَدْ قَامَ الْخَلَفُ بِحَقِّ السَّلَفِ فِي حِفْظِ تَارِيخِهِمْ بِالتَّرْجَمَةِ لَهُمْ خِدْمَةً لِتُرَاثِهِمْ وَإِحْيَاءً لِذِكْرَاهُمْ وَمَا أُثِرَ عَنِ السَّخَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ وَرَّخَ مُؤْمِنًا فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهُ ". أَيْ مَنْ تَرْجَمَ لَهُ وَأَرَّخَهُ. وَهَا هُمْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ يُعَايِشُونَ كُلَّ جِيلٍ بِسِيرَتِهِمْ وَتَارِيخِهِمْ فِي أُمَّهَاتِ الْكُتُبِ.
وَإِنِّي لَأَعْتَقِدُ حَقًّا أَنَّ تَرَاجِمَ الرِّجَالِ مَدَارِسُ الْأَجْيَالِ، أَيْ فِي عُلُومِهِمْ وَمَعَالِمِ حَيَاتِهِمْ.
وَإِنَّ مِثْلَ شَيْخِنَا الْأَمِينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَحَقِيقٌ بِتَرْجَمَتِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْ مَنْهَجِ حَيَاتِهِ فِي تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ.