أَمَّا فِي الْعَقِيدَةِ فَقَدْ بَلْوَرَهَا مَنْطِقًا وَدَلِيلًا، ثُمَّ لَخَّصَهَا فِي مُحَاضَرَةِ آيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي أَوَّلِ مُحَاضَرَاتِ الْجَامِعَةِ ثُمَّ بَسَطَهَا وَوَضَّحَهَا إِيضَاحًا شَافِيًا فِي أُخْرَيَاتِ حَيَاتِهِ، فِي كِتَابَيْ آدَابِ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ دَلِيلًا وَاسْتِدْلَالًا وَعَرْضًا وَإِقْنَاعًا. وَمِنْ آثَارِ بَيَانِهِ لَهَا وَأُسْلُوبِهِ فِيهَا مَا قَالَهُ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ آلِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا سَمِعَ بَيَانَ الشَّيْخِ لِعَقِيدَةِ السَّلَفِ فِي مَسْجِدِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: جَزَى اللَّهُ عَنَّا الشَّيْخَ مُحَمَّدًا الْأَمِينَ خَيْرًا عَلَى بَيَانِهِ هَذَا، فَالْجَاهِلُ عَرَفَ الْعَقِيدَةَ، وَالْعَالِمُ عَرَفَ الطَّرِيقَ وَالْأُسْلُوبَ.
وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ تَضَعُ بَيْنَ يَدَيْ طَالِبِ الْعِلْمِ مَنْهَجَ الِاسْتِزَادَةِ فِي التَّحْصِيلِ وَطُمُوحَهُ فِيهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ أَبَدًا: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ مَالٍ هَذَا جَانِبُ اسْتِفَادَتِهِ، أَمَّا جَانِبُ إِفَادَتِهِ فَهُوَ مَا سَنَتَحَدَّثُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أَوَّلًا: فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ: يُعْتَبَرُ التَّدْرِيسُ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مِنْ أَهَمِّ التَّدْرِيسِ فِي كُبْرَيَاتِ جَامِعَاتِ الْعَالَمِ، فِي نَشْرِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْجَامِعَةُ الْأُولَى لِلتَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ مُنْذُ عَهْدِ النُّبُوَّةِ. وَحِينَ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي لِتَعْلِيمِ الْإِسْلَامِ فِي مَجَالِسِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمُنْذُ كَانَتْ مَجَالِسُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. إِذْ كَانَتِ الْمَدِينَةُ الْعَاصِمَةَ الْعِلْمِيَّةَ وَظَلَّتْ مُحَافِظَةً عَلَى مَرْكَزِهَا الْعِلْمِيِّ، وَلَمْ تَخْلُ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ مِنْ عَالِمٍ يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ فِيهَا.
وَقَبْلَ مَجِيءِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ الطَّيِّبُ رَحِمَهُ اللَّهُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ كَثِيرًا. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ١٣٦٣ هـ. فَكَانَ جُلُوسُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلتَّدْرِيسِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ امْتِدَادًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ، مَعَ مَنْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ آنَذَاكَ مِنْ تَلَامِيذِ الشَّيْخِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ دَرْسُ الشَّيْخِ فِي التَّفْسِيرِ، خَتَمَ الْقُرْءَانَ مَرَّتَيْنِ.
مَنْهَجُهُ فِي دَرْسِهِ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّفْسِيرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَوْضُوعٍ فَهُوَ شَامِلٌ عَامٌّ بِشُمُولِ الْقُرْءَانِ وَعُمُومِهِ، فَكَانَ الْمَنْهَجُ أَوَّلًا بَيَانَ الْمُفْرَدَاتِ ثُمَّ الْإِعْرَابَ وَالتَّصْرِيفَ ثُمَّ الْبَلَاغَةَ مَعَ إِيرَادِ الشَّوَاهِدِ عَلَى مَا يُورَدُ.
ثُمَّ يَأْتِي إِلَى الْأَحْكَامِ إِنْ كَانَ مَوْضُوعُ الْآيَةِ فِقْهًا، فَيَسْتَقْصِي بِاسْتِنْتَاجِ الْحُكْمِ وَبَيَانِ الْأَقْوَالِ وَالتَّرْجِيحِ لِمَا يَظْهَرُ لَهُ. وَيَدْعَمُ ذَلِكَ بِالْأُصُولِ وَبَيَانِ الْقُرْءَانِ وَعُلُومِ الْقُرْءَانِ مِنْ عَامٍّ


الصفحة التالية
Icon