فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا الْخَيْلُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ وَقْتَ الصُّبْحِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: فَالْإِبِلُ تُغِيرُ بِالْحُجَّاجِ صُبْحًا مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ.
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا: أَيْ غُبَارًا. قَالَ بِهِ. أَيْ: بِالصُّبْحِ أَوْ بِهِ. أَيْ بِالْعَدُوِّ.
وَالْمَفْهُومُ مِنَ الْعَادِيَاتِ: تَوَسَّطْنَ بِهِ جَمْعًا، أَيْ دَخَلْنَ فِي وَسَطِ جَمْعٍ أَيْ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ.
وَنَظِيرُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ بِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ:
فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمْ وَأَفْلَتَ حَاجِبٌ | تَحْتَ الْعَجَاجَةِ فِي الْغُبَارِ الْأَقْتَم |
فَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا، أَيْ: صِرْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَدُوِّ وَسْطَ جَمْعٍ. وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ، وَجَمْعٌ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُزْدَلِفَةِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ، عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
فَلَا وَالْعَادِيَاتُ مُغْبِرَاتُ جَمْعٍ | بِأَيْدِيهَا إِذَا سَطَعَ الْغُبَارُ |
وَلَكِنْ مِمَّا قَدَّمَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ فِي الْأَضْوَاءِ: أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنًى وَفِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَرُدُّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ تُؤَيِّدُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ وَجَدْتُ اخْتِلَافَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فِي نُقْطَةٍ أَسَاسِيَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْأَلْفَاظِ، وَمَعَانِيهَا وَالْأُسْلُوبِ وَتَرَاكِيبِهِ.
وَنُقْطَةُ الْخِلَافِ هِيَ مَعْنَى الْجَمْعِ الَّذِي تَوَسَّطْنَ بِهِ، أَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا جَمْعًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «وَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».
وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي نِقَاشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ. سَاقَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. ُُ