وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرْمَةَ الشَّاعِرُ:

دَعِ الْبُخَلَاءَ إِنْ شَمَخُوا وَصَدُّوا وَذِكْرَى بُخْلِ ثَمَانِيَةٍ كَنُود
فِي نُقُولٍ كَثِيرَةٍ وَشَوَاهِدَ.
وَمِنْهَا: الْكَنُودُ الَّذِي يُنْفِقُ نِعَمَ اللَّهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
وَعَنْ ذِي النُّونِ: الْهَلُوعُ وَالْكَنُودُ: هُوَ الَّذِي إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا.
وَقِيلَ: الْحَسُودُ الْحَقُودُ.
ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ الْبَحْثِ:
قُلْتُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ.
وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى الْكَنُودِ بِخِصَالٍ مَذْمُومَةٍ، وَأَحْوَالٍ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ أَعْلَى مَا يُقَالُ، وَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ مَعَهُ مَقَالٌ. اهـ.
وَهَكَذَا كَمَا قَالَ: إِنْ صَحَّ الْأَثَرُ فَلَا قَوْلَ لِأَحَدٍ، وَلَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ التَّنَوُّعِ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ ضِمْنَ مَعْنَى الْجُحُودِ لِلْحَقِّ أَوْ لِلنِّعَمِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْكَنُودِ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهُ هُوَ الْهَلُوعُ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا.
وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي [٨٩ ١٥ - ١٦].
وَقَدْ عَقَّبَ عَلَيْهِ هُنَاكَ بِمِثْلِ مَا عَقَّبَ عَلَيْهِ هُنَا.
فَهُنَاكَ قَالَ تَعَالَى: كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [٨٩ ١٧ - ٢٠].
وَهُنَا عَقَّبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ عَامٌّ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَعْضَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ُُ


الصفحة التالية
Icon