وَقَوْلُهُ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ، تَقَدَّمَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا جَاءَ «وَمَا أَدْرَاكَ» أَنَّهُ يُدْرِيهِ، وَمَا جَاءَ «وَمَا يُدْرِيكَ» لَا يُدْرِيهِ.
وَقَدْ أَدْرَاهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [١٠١ ٤ - ٥]، وَهَذَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَ بَعْضَ الْأَحْوَالِ الْأُخْرَى فِي الْوَاقِعَةِ بِأَنَّهَا خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [٥٦ ٣]، وَفِي الطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ: يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [٧٨ ٤٠].
وَقَوْلُهُ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [٨٠ ٣٤ - ٣٥].
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَذْكُرُ مَعَهَا الْحَالَ الَّذِي يُنَاسِبُهَا، فَالْقَارِعَةُ مِنَ الْقَرْعِ وَهُوَ الضَّرْبُ، نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا مَا يُوهِنُ قُوَى الْإِنْسَانِ إِلَى ضِعْفِ الْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَيُفَكِّكُ تَرَابُطَ الْجِبَالِ إِلَى هَبَاءِ الْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ.
الْفَرَاشُ: جَمْعُ فَرَاشَةٍ.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَطِيرُ وَتَتَهَافَتُ فِي النَّارِ.
وَقِيلَ: طَيْرٌ رَقِيقٌ يَقْصِدُ النَّارَ وَلَا يَزَالُ يَتَقَحَّمُ عَلَى الْمِصْبَاحِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَحْتَرِقَ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي إِمْلَائِهِ قَوْلَ جَرِيرٍ:
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ مَا عَلِمْتُ وَقَوْمَهُ | مِثْلَ الْفَرَاشِ غَشَيْنَ نَارَ الْمُصْطَلَى |
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ: أَنَّهُ الْهَمَجُ الطَّائِرُ مِنْ بَعُوضٍ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْهُ الْجَرَادُ. وَيُقَالُ: هُوَ أَطْيَشُ مِنْ فَرَاشَةٍ قَالَ:
طُوَيْشٌ مِنْ نَفَرِ أَطْيَاشِ | أَطْيَشُ مِنْ طَائِرَةِ الْفَرَاش |