قَوْلِهِ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [١٠٢ ٨]، لِمُنَاسَبَتِهَا لِأَوَّلِ السُّورَةِ.
كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِشُمُولِ النَّعِيمِ لِلْمَالِ شُمُولًا أَوَّلِيًّا.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ.
أَخَذَ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ تَفَاخُرَهُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى الْمَقَابِرِ لِيَتَكَاثَرُوا بِأَمْوَاتِهِمْ، كَمَا جَاءَتْ فِي أَخْبَارِ أَسْبَابِ النُّزُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَالصَّحِيحُ فِي «زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ» : يَعْنِي مُتُّمْ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَأْتِي إِلَى الْقَبْرِ كَالزَّائِرِ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِيهِ مُؤَقَّتًا.
وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: بُعِثُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لِأَنَّ الزَّائِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْتَحِلَ.
تَنْبِيهٌ
قَدْ بَحَثَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَسْأَلَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ هُنَا لِحَدِيثِ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ».
وَقَالُوا: إِنَّ الْمَنْعَ كَانَ عَامًّا مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ مَآثِرِ الْآبَاءِ وَالْمَوْتَى، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَخَّصَ فِي الزِّيَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رُخِّصَ لَهُ. فَقِيلَ: لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِعَدَمِ دُخُولِهِنَّ فِي وَاوِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: «فَزُورُوهَا».
وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَدِلَّةٍ يَطُولُ إِيرَادُهَا.
وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ لِبَيَانِ الْأَرْجَحِ، نُورِدُ نُبْذَةً مِنَ الْبَحْثِ.
فَقَالَ الْمَانِعُونَ لِلنِّسَاءِ: إِنَّهُنَّ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَلَمْ تَشْمَلْهُنَّ الرُّخْصَةُ، وَمَجِيءُ اللَّعْنِ بِالزِّيَارَةِ فِيهِنَّ.
وَقَالَ الْمُجِيزُونَ: إِنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ ضِمْنًا فِي خِطَابِ الرِّجَالِ، كَدُخُولِهِنَّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [٢ ٤٣]، فَإِنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ قَطْعًا.
وَقَالُوا: إِنَّ اللَّعْنَ الْمُنَوَّهَ عَنْهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَتَيْنِ رِوَايَةِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ».
وَجَاءَ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهِنَّ السُّرُجَ» إِلَى آخِرِهِ.