وَأَصْرَحُ دَلِيلٍ لِإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْقُرْآنِ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّانِيَ فِي الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ.
لَوْ: هُنَا شَرْطِيَّةٌ، جَوَابُهَا مَحْذُوفٌ بِاتِّفَاقٍ قَدَّرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَيْ لَوْ عَلِمْتُمْ حَقَّ الْعِلْمِ، لَمَا أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ، حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ، وَعِلْمُ الْيَقِينِ: أَجَازَ أَبُو حَيَّانَ إِضَافَةَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ، أَيْ: لِمُغَايِرَةِ الْوَصْفِ، إِذِ الْعِلْمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَلَكِنَّهُ آكَدُ مِنْهُ.
وَعَنْ حَسَّانَ قَوْلُهُ:

سِرْنَا وَسَارُوا إِلَى بَدْرٍ لِحَتْفِهِمُ لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا
وَ «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» : جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
وَقَالَ: الْمُرَادُ بِرُؤْيَتِهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْبَعْثِ، أَوْ عِنْدَ الْوُرُودِ، أَوْ عِنْدَ مَا يَتَكَشَّفُ الْحَالُ فِي الْقَبْرِ.
«ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ» : قِيلَ: هَذَا لِلْكَافِرِ عِنْدَ دُخُولِهَا، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِرُؤْيَتِهَا، وَلَكِنْ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ بِهَا ; لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ مَعْلُومٌ: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا» [١٩ ٧١]، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ أَخَصُّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [١٨ ٥٣]، أَيْ: أَيْقَنُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [١٨ ٥٣].
وَقَدْ يَبْدُو وَجْهٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا لِلنَّارِ نَوْعَانِ:
الرُّؤْيَةُ الْأُولَى: رُؤْيَةُ عِلْمٍ وَتَيَقُّنٍ، فِي قَوْلِهِ: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، عِلْمًا تَسْتَيْقِنُونَ بِهِ حَقِيقَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَصْبَحْتُمْ بِمَثَابَةِ مَنْ يُشَاهِدُ أَهْوَالَهُ وَيَشْهَدُ بِأَحْوَالِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِحْسَانِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ». ُُ


الصفحة التالية
Icon