وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَصَّلَةً.
وَالصَّالِحَاتُ: جَمْعُ صَالِحَةٍ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ وَشُرُوطُ كَوْنِ الْعَمَلِ صَالِحًا بِأَدِلَّتِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ، وَعَمَلَهُ صَاحِبُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ وَكَوْنِهِ صَادِرًا مِنْ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ، إِلَخْ.
وَقَوْلُهُ: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ.
يُعْتَبَرُ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ ; لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عَمَلِ الصَّالِحَاتِ.
وَقِيلَ: إِنَّ التَّوَاصِيَ أَنْ يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْحَقِّ.
وَقِيلَ: الْحَقُّ كُلُّ مَا كَانَ ضِدَّ الْبَاطِلِ، فَيَشْمَلُ عَمَلَ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكَ الْمَعَاصِي.
وَاعْتَبَرَ هَذَا أَسَاسًا مِنْ أُسُسِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بِقَرِينَةِ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، أَيْ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقِيلَ: الْحَقُّ هُوَ الْقُرْآنُ ; لِشُمُولِهِ كُلَّ أَمْرٍ وَكُلَّ نَهْيٍ، وَكُلَّ خَيْرٍ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْقُرْآنِ: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [١٧ ١٠٥].
وَقَوْلُهُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [٣٩ ٢].
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتُهُ فِي الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَقِّ تَشْمَلُ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا، أُصُولَهَا وَفُرُوعَهَا، مَاضِيَهَا وَحَاضِرَهَا، مِنْ ذَلِكَ مَا وَصَّى اللَّهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَعُمُومًا، مِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [٤٢ ١٣].
وَإِقَامَةُ الدِّينِ الْقِيَامُ بِكُلِّيَّتِهِ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ عَمَلَ الرُّسُلِ لِأُمَمِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَنَفَّذَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [٢ ١٣٢].
وَمِنْ بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ يَعْقُوبُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [٢ ١٣٣].


الصفحة التالية
Icon