وَأَصْلُهُ يُؤَيْقِنُونَ ; لِأَنَّ مَاضِيَهُ أَيْقَنَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتَى فِي الْمُضَارِعِ بِحُرُوفِ الْمَاضِي، إِلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ حُذِفَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي يُؤْمِنُونَ، وَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولَئِكَ) هَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ وَاحِدِهِ، وَوَاحِدُهُ ذَا ; وَيَكُونُ أُولَئِكَ لِلْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، وَالْكَافُ فِيهِ حَرْفٌ لِلْخِطَابِ وَلَيْسَتِ اسْمًا، إِذْ لَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَتْ إِمَّا مَرْفُوعَةً أَوْ مَنْصُوبَةً، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا، إِذْ لَا رَافِعَ هُنَا وَلَا نَاصِبَ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَجْرُورَةً بِالْإِضَافَةِ، وَأُولَاءِ لَا تَصِحُّ إِضَافَتُهُ ; لِأَنَّهُ مُبْهَمٌ، وَالْمُبْهَمَاتُ لَا تُضَافُ، فَبَقِيَ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مُجَرَّدًا لِلْخِطَابِ، وَيَجُوزُ مَدُّ أُولَاءِ وَقَصْرُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ.
وَمَوْضِعُهُ هُنَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَ: (عَلَى هُدًى) الْخَبَرُ، وَحَرْفُ الْجَرِّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أُولَئِكَ ثَابِتُونَ عَلَى هُدًى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ خَبَرُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَقَدْ ذُكِرَ.
فَإِنْ قِيلَ: أَصْلُ عَلَى الِاسْتِعْلَاءُ، وَالْهُدَى لَا يُسْتَعْلَى عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مَعْنَاهُ هَاهُنَا؟.
قِيلَ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ حَاصِلٌ ; لِأَنَّ مَنْزِلَتَهُمْ عَلَتْ بِاتِّبَاعِ الْهُدَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كُلُّهَا عَلَى مُقْتَضَى الْهُدَى، كَانَ تَصَرُّفُهُمْ بِالْهُدَى كَتَصَرُّفِ الرَّاكِبِ بِمَا يَرْكَبُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رَبِّهِمْ) فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِهُدًى، وَيَتَعَلَّقُ الْجَارُّ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُدًى كَائِنٌ، وَفِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْهُدَى، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْهَاءِ وَضَمُّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي عَلَيْهِمْ فِي الْفَاتِحَةِ.