قَالَ تَعَالَى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَذًى) : أَذًى مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى يَضُرُّوكُمْ ; لِأَنَّ الْأَذَى وَالضَّرَرَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا. وَقِيلَ: هُوَ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ بِالْهَزِيمَةِ، لَكِنْ يُؤْذُوكُمْ بِتَصَدِّيكُمْ لِقِتَالِهِمْ. (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ) : الْأَدْبَارَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَالْمَعْنَى: يَجْعَلُونَ ظُهُورَهُمْ تَلِيكُمْ.
(ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) : مُسْتَأْنَفٌ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَطْفًا عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ يَقَعُ عَقِيبَ الْمَشْرُوطِ ; وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي ; فَلِذَلِكَ لَمْ تَصْلُحْ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْجَوَابِ كَالْجَوَابِ، وَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْجَزْمَ فِي مِثْلِهِ قَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [مُحَمَّدٍ: ٣٨] وَإِنَّمَا اسْتُؤْنِفَ هُنَا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُهُمْ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا.
قَالَ تَعَالَى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا بِحَبْلٍ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، تَقْدِيرُهُ: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ فِي كُلِّ حَالٍ، إِلَّا فِي حَالِ عَقْدِ الْعَهْدِ لَهُمْ، فَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; تَقْدِيرُهُ: إِلَّا مُتَمَسِّكِينَ بِحَبْلٍ.