وَالْوَاوُ فِي «وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» لَيْسَتْ لِلْعَطْفِ الْمُوجِبِ لِلْجَمْعِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ عِيًّا؛ إِذْ مِنْ أَرَكِّ الْكَلَامِ أَنْ تُفَصَّلَ التِّسْعَةُ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَثْنَى لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ، بَلْ عَنْ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَثُلَاثَ عَنْ «ثَلَاثَ ثَلَاثَ»، وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ لَا الْجَمْعُ. (فَوَاحِدَةً) : أَيْ: فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: فَالْمَنْكُوحَةُ وَاحِدَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَوَاحِدَةٌ تُكْفِي. (أَوْ مَا مَلَكَتْ) : أَوْ لِلتَّخْيِيرِ عَلَى بَابِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ. وَ «مَا» هُنَا بِمَنْزِلَةِ مَا فِي قَوْلِهِ «مَا طَابَ». (أَلَّا تَعُولُوا) ؛ أَيْ: إِلَى أَنْ لَا تُعُولُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) (٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نِحْلَةً) : مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى آتُوهُنَّ: أَنْحِلُوهُنَّ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلَيْنِ؛ أَيْ: نَاحِلِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ النِّسَاءِ؛ أَيْ: مَنْحُولَاتٍ. (نَفْسًا) : تَمْيِيزٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ طِبْنَ، وَالْمُفْرَدُ هُنَا فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ نَفْسًا هُنَا فِي مَعْنَى الْجِنْسِ، فَصَارَ كَدِرْهَمًا فِي قَوْلِكَ: عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا. (فَكُلُوهُ) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى شَيْءٍ، وَالْهَاءُ فِي مِنْهُ تَعُودُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ مَالٌ. (هَنِيئًا) : مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ، وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَكْلًا هَنِيئًا، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: مُهَنَّأً أَوْ طَيِّبًا.