فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ) : فِي " تَبْغُوا " وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنَ الْبَغْيِ الَّذِي هُوَ الظُّلْمُ؛ فَعَلَى هَذَا هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. وَ (سَبِيلًا) : عَلَى هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ؛ أَيْ: بِسَبِيلٍ مَا. وَالثَّانِي: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ بَغَيْتُ الْأَمْرَ؛ أَيْ: طَلَبْتُهُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَ " سَبِيلًا " مَفْعُولُهُ، وَعَلَيْهِنَّ مِنْ نَعْتِ السَّبِيلِ؛ فَيَكُونُ حَالًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (٣٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) : الشِّقَاقُ الْخِلَافُ؛ فَلِذَلِكَ حَسُنَ إِضَافَتُهُ إِلَى بَيْنَ، وَبَيْنَ هُنَا الْوَصْلُ الْكَائِنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ بِـ " ابْعَثُوا "، فَيَكُونُ الِابْتِدَاءُ غَايَةَ الْبَعْثِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْحُكْمِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. (إِنْ يُرِيدَا) : ضَمِيرُ الِاثْنَيْنِ يَعُودُ عَلَى الْحُكْمَيْنِ. وَقِيلَ: عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ قَوْلُهُ: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لِلزَّوْجَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (٣٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) : فِي نَصْبِ «إِحْسَانًا» أَوْجُهٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الْبَقَرَةِ: ٨٣].
وَ (الْجُنُبِ) : يُقْرَأُ بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ وَصْفٌ مِثْلُ نَاقَةٍ أَجُدٍ، وَيَدٍ سُجُحٍ. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَسُكُونِ النُّونِ، وَهُوَ وَصْفٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُجَانِبُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِكَ: رَجُلٌ عَدْلٌ. (


الصفحة التالية
Icon