قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) : أَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أُتِيَ بِهِ فِي النِّدَاءِ تَوَصُّلًا إِلَى نِدَاءِ مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِذَا كَانَتْ ((يَا)) لَا تُبَاشِرُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَبُنِيَتْ لِأَنَّهَا اسْمٌ مُفْرَدٌ مَقْصُودٌ، وَهَا مُقْحَمَةٌ لِلتَّنْبِيهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تُبَاشِرَ ((يَا)) النَّاسَ، فَلَمَّا حِيلَ بَيْنَهُمَا بِأَيٍّ، عُوِّضَ مِنْ ذَلِكَ ((هَا))، وَالنَّاسُ وَصْفٌ لِأَيٍّ لَا بُدَّ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ الْمُنَادَى فِي الْمَعْنَى، وَمِنْ هَاهُنَا رُفِعَ ; وَرَفْعُهُ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلًا مِنْ ضَمَّةِ الْبِنَاءِ، وَأَجَازَ الْمَازِنِيُّ نَصْبَهُ كَمَا يُجِيزُ يَا زَيْدُ الظَّرِيفَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ لُزُومِ ذِكْرِهِ، وَالصِّفَةُ لَا يَلْزَمُ ذِكْرُهَا. (مِنْ قَبْلِكُمْ) : مِنْ هُنَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالَّذِينَ خَلَقَهُمْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِكُمْ ;
فَحَذَفَ الْخَلْقَ، وَأَقَامَ الضَّمِيرَ مَقَامَهُ. (لَعَلَّكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى بِـ (اعْبُدُوا) ; أَيِ اعْبُدُوا لِيَصِحَّ مِنْكُمْ رَجَاءُ التَّقْوَى ; وَالْأَصْلُ تَوْتَقِيُونَ ; فَأُبْدِلَ مِنَ الْوَاوِ تَاءٌ، وَأُدْغِمَتْ فِي التَّاءِ الْأُخْرَى، وَسَكَنَتِ الْيَاءُ، ثُمَّ حُذِفَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُهُ فَوَزْنُهُ الْآنَ تَفْتَعُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي جَعَلَ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ (تَتَّقُونَ)، أَوْ بَدَلٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَوْ صِفَةٍ مُكَرَّرَةٍ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ الَّذِي، وَجَعَلَ هُنَا مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَرْضُ. (فِرَاشًا) حَالٌ، وَمِثْلُهُ: (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً).