أَحَدُهَا: نَصْبٌ عَطْفًا عَلَى الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ» ؛ أَيْ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْحُكْمَ. وَالثَّانِي: جَرٌّ عَطْفًا عَلَى «الْحَقِّ» ؛ أَيْ: أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَبِالْحُكْمِ، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا لَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا نَزَّلَ اللَّهُ أَمْرُنَا أَوْ قَوْلُنَا.
وَقِيلَ: أَنْ بِمَعْنَى؛ أَيْ: وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى يُفْسِدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ «أَنْ» التَّفْسِيرِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقَهَا قَوْلٌ يُفَسَّرُ بِهَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَأَمَرْنَاكَ؛ ثُمَّ فَسَّرَ هَذَا الْأَمْرَ بِاحْكُمْ.
(أَنْ يَفْتِنُوكَ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ؛ أَيْ: احْذَرْهُمْ فِتْنَتَهُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ؛ أَيْ: مَخَافَةَ أَنْ يَفْتِنُوكَ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَالنَّاصِبُ
لَهُ يَبْغُونَ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْجَمِيعِ، وَهُوَ أَيْضًا مَنْصُوبٌ بِيَبْغُونَ؛ أَيِ: احْكُمْ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُقْرَأُ تَبْغُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ خِطَابًا.