وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنْ «مَا» ؛ أَيْ: بِئْسَ شَيْئًا سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِلَامٍ مَحْذُوفَةٍ؛ أَيْ: لِأَنْ سَخِطَ.
قَالَ تَعَالَى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (٨٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَدَاوَةً) : تَمْيِيزٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ «أَشَدَّ». وَ (لِلَّذِينَ آمَنُوا) : مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ، أَوْ نَعْتٌ لَهُ. (الْيَهُودَ) : الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِـ «تَجِدَ». (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ (بِأَنَّ مِنْهُمْ) : الْخَبَرُ؛ أَيْ: ذَلِكَ كَائِنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا سَمِعُوا) : الْوَاوُ هَاهُنَا عَطَفَتْ إِذَا عَلَى خَبَرِ أَنَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لَا يَسْتَكْبِرُونَ» فَصَارَ الْكَلَامُ دَاخِلًا فِي صِلَةِ أَنَّ، وَإِذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «تَرَى» وَإِذَا وَجَوَابُهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى خَبَرِ أَنَّ الثَّانِيَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى. وَ (تَفِيضُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ؛ لِأَنَّ تَرَى مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ. وَ (مِنَ الدَّمْعِ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ؛ أَيْ: فَيْضُهَا مِنْ كَثْرَةِ الدَّمْعِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ وَالتَّقْدِيرُ: تَفِيضُ مَمْلُوءَةً مِنَ الدَّمْعِ. وَأَمَّا (مِمَّا عَرَفُوا) : فَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَمَعْنَاهَا مِنْ أَجْلِ الَّذِي عَرَفُوهُ. وَ (مِنَ الْحَقِّ) : حَالٌ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ. (يَقُولُونَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي عَرَفُوا.