بِالْغَيْبِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ «مَنْ» أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي يَخَافُهُ؛ أَيْ: يَخَافُهُ غَائِبًا عَنِ الْخَلْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى «فِي» ؛ أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الْغَائِبِ عَنِ الْخَلْقِ؛ وَالْغَيْبُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ فَاعِلٍ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (٩٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَقْتُلُوا. وَ (مُتَعَمِّدًا) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَتَلَهُ. (فَجَزَاءٌ) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «مِثْلُ» صِفَةً لَهُ أَوْ بَدَلًا، وَمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى مُمَاثِلٍ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يُعَلِّقَ مِنَ النَّعَمِ بِـ «جَزَاءٌ» ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ صِلَتِهِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِالصِّفَةِ أَوِ الْبَدَلِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ لَمْ يَتِمَّ، فَلَا يُوصَفُ، وَلَا يُبْدَلُ مِنْهُ.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا: «جَزَاءً» بِالتَّنْوِينِ، وَمِثْلَ بِالنَّصْبِ؛ وَانْتِصَابُهُ بِـ «جَزَاءً». وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ
بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ «جَزَاءٌ» ؛ أَيْ: يَخْرُجُ أَوْ يُؤَدِّي مِثْلَ، وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ.
وَيُقْرَأُ فِي الْمَشْهُورِ بِإِضَافَةِ جَزَاءٍ إِلَى الْمِثْلِ، وَإِعْرَابُ الْجَزَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَ «مِثْلُ» فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فِي حُكْمِ الزَّائِدَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: مِثْلِي لَا يَقُولُ ذَلِكَ؛ أَيْ: أَنَا لَا أَقُولُ، وَإِنَّمَا دَعَا إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ الْمَقْتُولُ لَا مِثْلُهُ.