وَ (مِنْكُمْ) : خِطَابٌ لِجَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا خِطَابٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَئِيسُهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذِهِ الشَّجَرَةَ) : يُقْرَأُ هَذِي بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْأَصْلُ فِي «ذَا» : ذَيٌّ لِقَوْلِهِمْ فِي التَّصْغِيرِ: ذَيًّا فَحُذِفَتِ الْيَاءُ الثَّانِيَةُ تَخْفِيفًا، وَقُلِبَتِ الْيَاءُ الْأُولَى أَلِفًا؛ لِئَلَّا تَبْقَى مِثْلَ كَيْ، فَإِذَا خَاطَبْتَ الْمُؤَنَّثَ، رُدَّتِ الْيَاءُ، وَكُسِرَتِ الذَّالُ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ التَّأْنِيثُ وَالتَّغْيِيرُ. وَأَمَّا الْهَاءُ فَجُعِلَتْ عِوَضًا مِنَ الْمَحْذُوفِ حِينَ رُدَّ إِلَى الْأَصْلِ، وَوُصِلَتْ بِيَاءٍ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُ هَاءِ الضَّمِيرِ فِي اللَّفْظِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (٢٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ سَوْآتِهِمَا) : الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ. وَيُقْرَأُ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ، وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَلْقَى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى الْوَاوِ، وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَذَلِكَ عَلَى إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا. وَيُقْرَأُ «سَوْأَتُهُمَا» عَلَى التَّوْحِيدِ، وَهُوَ جِنْسٌ. (إِلَّا أَنْ تَكُونَا) : أَيْ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَا، فَهُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ. (مَلَكَيْنِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَالْمَعْنَى مَفْهُومٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٠]. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ.