وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَتْلًا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ تَوْكِيدٌ. (عَصَوْا) : أَصْلُهُ عَصَيُوا، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ، وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، قُلِبَتْ أَلِفًا، ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبَقِيَتِ الْفَتْحَةُ تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَالْوَاوُ هُنَا تُدْغَمُ فِي الْوَاوِ الَّتِي بَعْدَهَا ; لِأَنَّهَا مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَدٌّ يَمْنَعُ مِنَ الْإِدْغَامِ، وَلَهُ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ، كَقَوْلِهِ: فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِ انْضَمَّ مَا قَبْلَ
هَذِهِ الْوَاوُ نَحْوُ: آمَنُوا وَعَمِلُوا لَمْ يَجُزْ إِدْغَامُهَا ; لِأَنَّ الْوَاوَ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا يَطُولُ مَدُّهَا، فَيُجْرَى مَجْرَى الْحَاجِزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالصَّابِئِينَ) : يُقْرَأُ بِالْهَمْزِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ مِنْ صَبَأَ يَصْبَأُ إِذَا مَالَ، وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَذَلِكَ عَلَى قَلْبِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا فِي صَبَا، وَعَلَى قَلْبِهَا يَاءً فِي صَابِي، وَلَمَّا قَلَبَهَا يَاءً حَذَفَهَا مِنْ أَجْلِ يَاءِ الْجَمْعِ.
وَالْأَلِفُ فِي هَادُوا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ ; لِأَنَّهُ مَنْ هَادَ يَهُودُ إِذَا تَابَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ»، وَيُقَالُ هُوَ مِنَ الْهَوَادَةِ، وَهُوَ الْخُضُوعُ، وَيُقَالُ أَصْلُهَا يَاءٌ مِنْ هَادَ يَهِيدُ إِذَا تَحَرَّكَ: مَنْ آمَنُ مَنْ هُنَا شُرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَأٍ وَالْخَبَرُ آمَنَ، وَالْجَوَابُ: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ الَّذِينَ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ بِمَعْنَى الَّذِي غَيْرُ جَازِمَةٍ، وَيَكُونَ بَدَلًا مِنَ اسْمِ إِنَّ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا، وَخَبَرُ إِنَّ: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ.