قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَوْلَا) : هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوْ وَلَا، وَلَوْ قَبْلَ التَّرْكِيبِ يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، وَلَا لِلنَّفْيِ وَالِامْتِنَاعُ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى، فَقَدْ دَخَلَ النَّفْيُ بِلَا عَلَى أَحَدِ امْتِنَاعَيْ لَوْ، وَالِامْتِنَاعُ نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى، وَالنَّفْيُ إِذَا دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ صَارَ إِيجَابًا، فَمِنْ هُنَا صَارَ مَعْنَى لَوْلَا هَذِهِ يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لِوُجُودِ غَيْرِهِ
وَ (فَضْلُ اللَّهِ) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ حَاضِرٌ، وَلَزِمَ حَذْفُ الْخَبَرِ لِقِيَامِ الْعِلْمِ بِهِ، وَطُولِ الْكَلَامِ بِجَوَابِ لَوْلَا، فَإِنْ وَقَعَتْ أَنَّ بَعْدَ لَوْلَا، ظَهَرَ الْخَبَرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) فَالْخَبَرُ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّ
وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الِاسْمَ الْوَاقِعَ بَعْدَ لَوْلَا هَذِهِ فَاعِلُ لَوْلَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)).
قَوْلُهُ: (عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا) : عَلِمْتُمْ هَاهُنَا بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ. وَ (مِنْكُمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ حَالًا مِنَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا ; أَيِ الْمُعْتَدِينَ كَائِنِينَ مِنْكُمْ. وَ (فِي السَّبْتِ) : مُتَعَلِّقٌ بِـ (اعْتَدَوْا)، وَأَصْلُ السَّبْتِ مَصْدَرٌ، يُقَالُ سَبَتَ يَسْبُتُ سَبْتًا إِذَا قَطَعَ، ثُمَّ سَمَّى الْيَوْمَ سَبْتًا، وَقَدْ يُقَالُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَيَخْرُجُ مَصْدَرًا عَلَى أَصْلِهِ، وَقَدْ قَالُوا: الْيَوْمُ السَّبْتُ، فَجَعَلُوا الْيَوْمَ خَبَرًا عَنِ السَّبْتِ، كَمَا يُقَالُ الْيَوْمَ الْقِتَالُ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، يَكُونُ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ. (


الصفحة التالية
Icon