أَحَدُهُمَا: أَنَّ ثُمَّ عَلَى بَابِهَا فِي إِفَادَةِ الْعَطْفِ وَالتَّرَاخِي، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَقَبِلْتُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ «ثُمَّ» جَاءَتْ لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِ لَا لِتَرْتِيبِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ) [الْبَقَرَةِ: ٤٩].
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ) : أَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ وَفِي خَبَرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: تَقْتُلُونَ ; فَعَلَى هَذَا فِي هَؤُلَاءِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، وَالثَّانِي هُوَ مُنَادَى ; أَيْ يَا هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ أُولَاءِ مُبْهَمٌ، وَلَا يُحْذَفُ حَرْفُ النِّدَاءِ مَعَ الْمُبْهَمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِينَ، وَتَقْتُلُونَ صِلَتُهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ مَذْهَبَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ أُولَاءِ هَذَا لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْخَبَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ، ثُمَّ أَنْتُمْ مِثْلُ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِكَ أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَعَلَى هَذَا تَقْتُلُونَ حَالٌ يَعْمَلُ فِيهَا مَعْنَى التَّشْبِيهِ.
قَوْلُهُ: (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا تَخْرُجُونَ، وَصَاحِبُ الْحَالِ الْوَاوُ، وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ، وَالْأَصْلُ تَتَظَاهَرُونَ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ ظَاءً، وَأُدْغِمَتْ.


الصفحة التالية
Icon