وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي «سَبَقُوا»
وَالْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: أَنْفُسَهُمْ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: أَنْ سَبَقُوا، وَأَنْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، حُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ «أَنْ» الْمَصْدَرِيَّةَ مَوْصُولَةٌ، وَحَذْفُ الْمَوْصُولِ ضَعِيفٌ فِي الْقِيَاسِ، شَاذٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
(إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) : أَيْ: لَا يَحْسَبُوا ذَلِكَ لِهَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَحْسَبُ، إِمَّا مَفْعُولٌ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ سَبَقُوا، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ لَا زَائِدَةً، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زِيَادَةُ لَا. وَالثَّانِي: أَنَّ مَفْعُولَ حَسِبْتُ إِذَا كَانَ جُمْلَةً وَكَانَ مَفْعُولًا ثَانِيًا كَانَتْ فِيهِ إِنَّ مَكْسُورَةً؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (٦٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ قُوَّةٍ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ «مَا» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ فِي «اسْتَطَعْتُمْ». (تُرْهِبُونَ بِهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ فِي اعْدِلُوا، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرَيْنِ يَعُودَانِ إِلَيْهِمَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلسَّلْمِ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى؛ لِأَنَّ جَنَحَ بِمَعْنَى مَالَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعَدِّيَّةً لِلْفِعْلِ بِنَفْسِهَا، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ، وَ «السَّلْمِ» بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «فَاجْنَحْ لَهَا».