قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ) : هُوَ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.
وَ (حَتَّى يَسْمَعَ) : أَيْ: إِلَى أَنْ يَسْمَعَ، أَوْ كَيْ يَسْمَعَ.
وَ «مَأْمَنَ» مَفْعَلَ مِنَ الْأَمْنِ، وَهُوَ مَكَانٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَوْضِعَ مَأْمَنِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ يَكُونُ) : اسْمُ يَكُونُ «عَهْدٌ»، وَفِي الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: كَيْفَ، وَقُدِّمَ لِلِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) [النَّمْلِ: ٥١]. وَالثَّانِي: أَنَّهُ «لِلْمُشْرِكِينَ» وَ «عِنْدَ» عَلَى هَذَيْنِ ظَرْفٌ لِلْعَهْدِ، أَوْ لِيَكُونَ، أَوْ لِلْجَارِّ، أَوْ هِيَ وَصْفٌ لِلْعَهْدِ. وَالثَّالِثُ: الْخَبَرُ «عِنْدَ اللَّهِ»، وَ «لِلْمُشْرِكِينَ» تَبْيِينٌ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِيكُونُ، وَكَيْفَ حَالٌ مِنَ الْعَهْدِ.
(فَمَا اسْتَقَامُوا) : فِي «مَا» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ زَمَانِيَّةٌ، وَهِيَ الْمَصْدَرِيَّةُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ لَكُمْ. وَالثَّانِي: هِيَ شَرْطِيَّةٌ كَقَوْلِهِ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ) [فَاطِرٍ: ٢] وَالْمَعْنَى إِنِ اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا. وَلَا تَكُونُ نَافِيَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ؛ إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى اسْتَقِيمُوا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا لَكُمْ.


الصفحة التالية
Icon