وَالثَّانِي: أَنَّهَا النَّاصِبَةُ لِلْفِعْلِ ; وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ مَوْضِعُهَا رَفْعٌ، تَقْدِيرُهُ: هِيَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا، فَيَكُونُ مَوْضِعُهَا جَرًّا أَوْ نَصْبًا عَلَى مَا حَكَيْنَا مِنَ الْخِلَافِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيْ، فَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ، «وَلَا تَعْبُدُوا» نَهْيٌ.
وَ (مِنْهُ) : أَيْ مِنَ اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: نَذِيرٌ كَائِنٌ مِنْهُ، فَلَمَّا قَدَّمَهُ صَارَ حَالًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِنَذِيرٍ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِنَّنِي لَكُمْ نَذِيرٌ مِنْ أَجْلِ عَذَابِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا) :«أَنْ» مَعْطُوفَةٌ عَلَى «أَنْ» الْأُولَى، وَهِيَ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) : أَيْ يَتَوَلَّوْا.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَثْنُونَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ النُّونِ، وَمَاضِيهِ ثَنَى.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَمَاضِيهِ أَثْنَى، وَلَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ عَرَضُوهَا لِلْإِثْنَاءِ، كَمَا تَقُولُ: أَبَعْتُ الْفَرَسَ إِذَا عَرَضْتَهُ لِلْبَيْعِ.
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الثَّاءِ وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ بَعْدَهَا نُونٌ مَفْتُوحَةٌ مُشَدَّدَةٌ مِثْلُ يَقْرَءُونَ ; وَهُوَ مِنْ ثَنَيْتُ، إِلَّا أَنَّهُ قَلَبَ الْيَاءَ وَاوًا لِانْضِمَامِهَا، ثُمَّ هَمَزَهَا لِانْضِمَامِهَا.