وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهَا وَيَاء الْإِضَافَةِ مَحْذُوفَةٌ ; وَفِي النُّونِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ، وَنُونُ الرَّفْعِ مَحْذُوفَةٌ لِثِقَلِ الْمِثْلَيْنِ، وَكَانَتِ الْأُولَى أَحَقَّ بِالْحَذْفِ ; إِذْ لَوْ بَقِيَتْ لَكُسِرَتْ، وَنُونُ الْإِعْرَابِ لَا تُكْسَرُ لِئَلَّا تَصِيرَ تَابِعَةً، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّ نُونَ الْوِقَايَةِ مَحْذُوفَةٌ، وَالْبَاقِيَةُ نُونُ الرَّفْعِ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مَرْفُوعٌ فَأُبْقِيَتْ عَلَامَتُهُ.
وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّشْدِيدِ أَوْجَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْنَطُ) :«مَنْ» : مُبْتَدَأٌ. وَ «يَقْنَطُ» : خَبَرُهُ، وَاللَّفْظُ اسْتِفْهَامٌ، وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ ; فَلِذَلِكَ جَاءَتْ بَعْدَهُ إِلَّا.
وَفِي «يَقْنَطُ» لُغَتَانِ: كَسْرُ النُّونِ وَمَاضِيهِ بِفَتْحِهَا، وَفَتْحُهَا وَمَاضِيهِ بِكَسْرِهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا ; وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ، لِقَوْلِهِ: (مِنَ الْقَانِطِينَ) [الْحِجْرُ: ٥٥] وَيَجُوزُ قَانِطٌ وَقَنِطٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٥٩))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا آلَ لُوطٍ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُجْرِمِينَ.
(إِلَّا امْرَأَتَهُ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ آلِ لُوطٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ إِذَا جَاءَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مُضَافًا إِلَى الْمُبْتَدَأِ ; كَقَوْلِكَ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا دِرْهَمًا، فَإِنَّ الدِّرْهَمَ يُسْتَثْنَى مِنَ الْأَرْبَعَةِ ; فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْعَشَرَةِ فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: أَحَدَ عَشَرَ إِلَّا أَرْبَعَةً، أَوْ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي «مُنَجُّوهُمْ».
(قَدَّرْنَا) : يُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
(إِنَّهَا) : كُسِرَتْ إِنَّ هَاهُنَا مِنْ أَجْلِ اللَّامِ فِي خَبَرِهَا، وَلَوْلَا اللَّامُ لَفُتِحَتْ.