وَالثَّانِي: هِيَ أَفْعَلُ الَّتِي تَقْتَضِي «مِنْ» وَلِذَلِكَ قَالَ: «وَأَضَلُّ». وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الثَّانِيَةَ تَقْتَضِي «مِنْ» فَكَأَنَّ الْأَلِفَ وَسْطَ الْكَلِمَةِ تُمَثِّلُ أَعْمَالَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَرْكَنُ) : بِفَتْحِ الْكَافِ، وَمَاضِيهِ بِكَسْرِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَفْتُوحَةٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ مِنْ تَدَاخُلِ اللُّغَتَيْنِ ; إِنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: رَكِنَ يَرْكَنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَكَنَ يَرْكُنُ، فَيَفْتَحُ الْمَاضِيَ وَيَضُمُّ الْمُسْتَقْبَلَ، فَسَمِعَ مَنْ لُغَتُهُ فَتْحُ الْمَاضِي فَتْحَ الْمُسْتَقْبَلِ مِمَّنْ هُوَ لُغَتُهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا دَعَا قَائِلُ هَذَا إِلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ عَنْهُمْ: فَعَلَ يَفْعَلُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا فِي غَيْرِ حُرُوفِ الْحَلْقِ إِلَّا أَبَى يَأْبَى ; وَقَدْ قُرِئَ بِضَمِّ الْكَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَلْبَثُونَ) : الْمَشْهُورُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ عَلَى إِلْغَاءِ إِذَنْ ; لِأَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ تُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ مُخْتَلِفَةً بِمَا قَبْلَهَا ; فَيَكُونُ «إِذَنْ» حَشْوًا.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ بِغَيْرِ نُونٍ عَلَى إِعْمَالِ إِذَنْ، وَلَا يُكْتَرَثُ بِالْوَاوِ ; فَإِنَّهَا قَدْ تَأْتِي مُسْتَأْنَفَةً.
(خِلَافَكَ)، وَخَلْفَكَ: لُغَتَانِ بِمَعْنًى. وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
(إِلَّا قَلِيلًا) : أَيْ زَمَنًا قَلِيلًا.
قَالَ تَعَالَى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)).


الصفحة التالية
Icon