قَالَ تَعَالَى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ سَبِّحُوا) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَيْ. وَ (بِقُوَّةٍ) : مَفْعُولٌ، أَوْ حَالٌ. (وَحَنَانًا) : مَعْطُوفٌ عَلَى «الْحُكْمَ» أَيْ وَهَبْنَا لَهُ تَحَنُّنًا. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ. وَ (بَرًّا) أَيْ وَجَعَلْنَاهُ بَرًّا. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذِ انْتَبَذَتْ) : فِي «إِذْ» أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّهَا ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ خَبَرَ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ وَبَيِّنْ إِذِ انْتَبَذَتْ ; فَهُوَ عَلَى كَلَامٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) [النِّسَاءِ: ١٧١] وَهُوَ فِي الظَّرْفِ أَقْوَى، وَإِنْ كَانَ مَفْعُولًا بِهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَرْيَمَ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ ; لِأَنَّ الْأَحْيَانَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجُثَثِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ; وَهُوَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَالًا مِنَ الْجُثَّةِ، وَلَا خَبَرًا عَنْهَا، وَلَا وَصْفًا لَهَا، لَمْ يَكُنْ بَدَلًا مِنْهَا.
وَقِيلَ: «إِذْ» بِمَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ ; كَقَوْلِكَ: لَا أُكْرِمُكَ إِذْ لَمْ تُكْرِمْنِي ; أَيْ لِأَنَّكَ لَمْ تُكْرِمْنِي ; فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ ; أَيْ وَاذْكُرْ مَرْيَمَ انْتِبَاذَهَا.
وَ (مَكَانًا) : ظَرْفٌ. وَقِيلَ: مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى: إِذْ أَتَتْ مَكَانًا. (بَشَرًا سَوِيًّا) : حَالٌ.