قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) : هُوَ نَعْتٌ لِشُهَدَاءُ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ.
وَلَوْ قُرِئَ بِالنَّصْبِ لَجَازَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرَ كَانَ، أَوْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَإِنَّمَا كَانَ الرَّفْعُ أَقْوَى ; لِأَنَّ «إِلَّا» هُنَا صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٢].
(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) : الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ فَالْوَاجِبُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ. وَالثَّانِي: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ فَعَلَيْهِمْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ.
وَ (أَرْبَعَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ ; أَيْ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمْ أَرْبَعَ.
وَ (بِاللَّهِ) : يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَاتٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ ; وَبِـ «شَهَادَةُ» عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَامِلَيْنِ.
وَ (إِنَّهُ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ: مَعْمُولُ شَهَادَاتٍ، أَوْ شَهَادَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ; أَيْ يَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ ; وَلَكِنَّ الْعَامِلَ عُلِّقَ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ فِي الْخَبَرِ ; وَلِذَلِكَ كُسِرَتْ إِنَّ.
وَمَوْضِعُهُ إِمَّا نَصْبٌ، أَوْ جَرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ فِي «أَنَّ» إِذَا حُذِفَ مِنْهُ الْجَارُّ.
وَيُقْرَأُ «أَرْبَعُ» بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى لِلْمُبْتَدَأِ عَمَلٌ فِيمَا بَعْدَ الْخَبَرِ، لِئَلَّا يُفْصَلَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ ; فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَعْمَلَ شَهَادَاتٍ فِيمَا بَعْدَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْخَامِسَةُ) أَيْ وَالشَّهَادَةُ الْخَامِسَةُ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ «أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ».