أما بعد: فقد وقف العبد الفقير، الضعيف الحقير، على هذا المصنف
العديم النظير، المشتمل من الورد الصافي على العذب النمير، فوجد مؤلفه قد حلى فيه من أبكار أفكاره المقصورات في الخيام، على الأكفاء الكرام، من ذوي العقول والأفهام، كل خريدة بعيدة المرام، على من قعد عن طلب
المعالي ونام، وسلك مسلكاً قل من سلكه من الفحول قبله، وبحث بصائر
فكرهَ، عن تحرير ما أورده ونقله واستدل بقوة علمه، وجودة فهمه، بأدلة
برهانُها قاطع، وضياؤها ساطع، مقتدياً بما وقع في الكتاب المبين، من قوله
تعالى: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين).
ولا ريب أن الاستدلال بغير المبدَّل منها، من أقوى الأدلة القاطعة.
وأعظم البراهين الساطعة، لا سيما إذا قص الله - أو رسوله - ذلك علينا.
مبينا من غير إنكار، على أنه شرع لنبينا.
وأي استدلال أمْيَزُ (وآمن) من كلام الله جل وعز؟.
وقد صرح أصحابنا: أن كلام الله القديم، المصون عن التحريف.
والتبديل إن عبر بالعربية فهو قرآن، وإن عبر بالعبرانية فتوراة، وإن عبر
بالسريانية فإنجيل وإن كلامه لا يختلف، وإنما تختلف العبارات، وتتفاوت
الأعمال بالنية، وإنما الأعمال بالنيات.
وهذا السيد عمر بن الخطاب، العظيم الشأن، رضي الله عنه، كان
يأتي اليهود ويسمع من التوراة، فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن، كما
رواه الطبري من طريق الشعبي، في غير ما مكان.