المنتصب على معارضه كالسيف الباتر فلعمري لقد سلك في نظره - بعد سبيل الأبرار - ما يعجز عنه فحول راسخي النظَّار، من دقائق زبد أبكار الأفكار، فاستحق أن يقال فيه على رؤوس الأشهاد إلى يوم التناد:
ولا غرو أن أبدي العجائب ربه... وفي ثوبه بر وفي قلبه بحر
فيا ليت شعري كيف أكون في سن الشباب، أستحق من هؤلاء
الفحول هذه الألقاب، ثم أصبر في سن الشيخوخة إلى اعتراض من لم يكن
في ذلك الزمان في عداد من يذكر، ولا هو - والله - الآن في عداد من يفهم
كلامي الذي اعترض عليه، فلقد صدق - لعمري - القائل:
إذا مضى القرن الذي أنت فيهم... وخلفت في قرن فأنت غريب
وتنقسم الناس بعد ذلك، فمِنْ عارف بمآثري، خال من الحسد.
مُتَلَّ بحلى الدين، فهو مُثْنٍ عليَّ بما يعلم، ومن جاهل، فهو مسلم لأكبر منه، ومن قائل: إني عثرت على شيء غريب لمن تقدمني فنسبته إليَّ.
فقلت: من العجب كوني أطلع على شيء من القرآن، لا يعثر غيري
على شيء منه.
وأعجب من ذلك: أن يتجدد لي علم ذلك، كلما تجدد من أحد
سؤال، أو بدأ في آية إشكال.
وهذا نحو ما قررته في معنى قوله تعالى - في سورة هود عليه السلام -:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ).